تنويه: للتجربة في ماليزيا وتوقيتها وظروفها المرتبطة بقيام الربيع العربي بعض الجوانب والمشاهدات الشخصية لذلك سأطيل قليلاً في الحديث عن ظروف الذهاب إلى ماليزيا رغم أنني ذكرت بعض أسباب ترك اليابان والذهاب لماليزيا في تدوينة سابقة لكن أجد من المناسب ذكر بعض الظروف الشخصية قبل أن ألخص عوامل النجاح الماليزي وفق مشاهداتي وتجربتي فأرجو القراءة بصبر لمن يهتم.
مقدمة: تحظى ماليزيا عندنا نحن العرب بمكانة
كبيرة فهي تمثل نقطة مضيئة في ظلام التقهقر والتراجع والخذلان الذي تعيشه الأمة
العربية والاسلامية، وبعد تجربتي ودراستي في اليابان التي تكلمت عنها في تدوينة سابقة أخرى، كان لدي حلم أن أكمل التعرف على تجارب بناء الحضارة الحديثة بأن أعيش التجربة الماليزية
من قلب الحدث فليس من رأى وعاش كمن سمع وقرأ.
ولذلك وفي العام 2012 قررت المشاركة في مؤتمر
دولي أقيم في ماليزيا ضمن اختصاصي في أنظمة النقل الذكية Intelligent Transportation Systems
وقد كانت قمة لجميع دول آسيا والباسفيك شاملة اليابان وأستراليا طبعاً. على هامش
المؤتمر تواصلت مع واحد من أعز الأخوة وهو بروفيسور ماليزي تعرفت عليه في اليابان
حيث كان من رواد المسجد الصغير الذي كان ملاذنا في اليابان من ضغط العمل وفي مسجد
تسوكوبا تعرفنا على عدد مميز من الإخوة والأخوات عبر بلاد العالم.
جدير بالذكر أن الجاليات الإسلامية في مسجد تسوكوبا كانت تنقسم تنظيميا ً لأربع
جاليات أساسية:
العرب – الباكستانيين – البنغال – الماليزيين والأندونيسيين معاً. بالإضافة لفئة خامسة
تضم جميع الجاليات الأخرى بما فيهم اليابانين المسلمين. هذه الجالية :انت قد تكونت حديثاً نسبة
للجاليات الأخرى بعد قدوم عدد من الطلاب من أوزباكستان وتركيا وغيرها من الجاليات قليلة
العدد والتي لا تشكل جاليات مستقلة. هذا الكلام قبل مغادرتي لليابان أي قبل 2013.
كان هدف هذا التقسيم هو تنظيم جمع التبرعات (اشتراكات شهرية) من مرتادي المسجد
وكان لدينا نشاط مميز يتكون من الإفطارات الجماعية الأسبوعية في رمضان حيث تقيم كل
جالية إفطاراً وفق أسلوبها ومطبخها وثقافتها.
أنا أذكر هذا الموضوع في سياق الحديث عن التجربة الماليزية لأنني أود أو أذكر أن الجالية الأكثر تنظيماً وترتيباً وهدوءاً كانت الجالية الماليزية. كانوا يجتمعون ويضعون مخططات للعمل (حرفياً مخططات مع رسم بياني من أجل الافطار) ويوجد جداول بالمهام وتوزيعها من طبخ ونقل وتنظيم بحيث أنك في يوم إفطارهم تكاد لا تسمع صوتاً من شدة التنظيم. أما العرب والباكستان بشكل خاص وأقل منهم بقليل البنغال فكل أعضاء الجالية زعماء وكلنا نشارك بكل شيء وبإعطاء التوجيهات والتنظير، علماً أن الموجودين هم أساتذة جامعيين وباحثين من أعلى المستويات بالإضافة لطلاب الماجستير والدكتوراة لكن التنظيم دائماً ما كان ينقصنا. لكن للأمانة مع الزمن ومع معاشرة الإخوة الماليزيين في المسجد واليابانيين خارجه بدأت تتحسن مهاراتنا التنظيمية (إيموجي العرق).
طبعاً اهتمامي بماليزيا كما اهتمامي باليابان يعود لهدف التعلم من التجربة علِّي أساهم يوماً في نقلها لسوريا عندما أعود، ولذلك أريد أن أنوه أن هذا المخطط كنت قد رسمته لحياتي منذ العام 2003 تقريباً ويشمل الذهاب لليابان لمدة ست سنوات إذا قبلت في منحة MEXT ثم العمل في ماليزيا لمدة بحدود الخمس سنوات على الأقل وذلك لأنني كنت أحلم أن أعيش هاتين التجربتين. وتأثري بالتجربة الماليزية يعود للفترة التي زار فيها مهاتير محمد سوريا بعد تقاعده – إن صح التعبيرلأنه لا يزال فاعلاً – وترك الحكومة. واستقبل وقتها من قبل الحكومة السورية التي كانت تتبنى مسيرة التطوير والتحديث (بلا تشابيه). وكان ذلك طبعاً قبل قيام الثورة بكثير (أشكر الله أنني تأخرت في كتابة هذه المقالة لما بعد التحرير ليكون فضاء الحرية في التعبير أكبر). كنت في العام 2003 خريجاً حديثاً وطالباً دبلوم دراسات عليا وأعمل في مشروع الاتحاد الأوربي المسمى تيمبوس الذي تحول لاحقاً لإيراسموس ماندوس. طبعاً هذا كله قبل سفري للدراسة في اليابان حتى. وكان من ضمن الكلمات التي أثارت انتباهي مم تحدث به مهاتير عن تجربته، موضوع التعليم والتعليم العالي. ومن المعروف أن مهاتير محمد بدأ حياته السياسية كوزير للتعليم (وهذه الوزارة تشمل التعليم ماقبل الجامعي والتعليم العالي في ماليزيا معاً). تجربة مهاتير في نهضة ماليزيا كما تحدث عنها تعود لشقين:
- البداية تطوير التعليم وتحفيز الجامعات من خلال خطة شملت إرسال بعثات لعدة دول متقدمة تشمل بريطانيا وأمريكا واليابان طبعاً، ومن ناحية أخرى عمل على تحفيز البحث العلمي والتطوير بأن وضع معايير لتقييم الجامعات وتقديم المنح المالية الحكومية لها بأن الجامعة التي تقوم بأبحاث أكثر ونشاطات علمية أكثر تحصل على ميزانية حكومية أكبر في العام التالي للتقييم. وبذلك تكون قيمة الدعم المادي المقدم من وزارة التعليم هو أحد معايير ترتيب الجامعات.
- الشق الثاني تأمين بنية تحتية وكوادر وتشجيع الاستثمارات الخارجية من توطين أعمالها في ماليزيا فنجد كبريات الشركات العالمية لها أفرع تصنيع أو تجميع في ماليزيا.
هذا كان ما التقطته من حديث مهاتير محمد والذي جعل أمامي هدفاً تمنيت تحقيقه ألا وهو الذهاب والعمل في ماليزيا بعد التخرج من اليابان. وقد زرت ماليزيا قبل التخرج حتى كما ذكرت آنفاً من خلال المشاركة في المؤتمر في الفترة الفاصلة بين تقديم الاطروحة والدفاع وصدور النتائج. طبعاً باعتبار أنني قدمت الأطروحة لم يعد يحق لي القيام بدفع تكاليف المؤتمر من ميزانية الجامعة لأنني أنهيت دراستي فعلياً وأنتظر القرار الرسمي بالتخرج، لذلك كانت الزيارة وتكاليف المؤتمر على حسابي وكان الهدف استكشاف المكان والبحث عن عمل. طبعأ فترة المؤتمرلم تكن كافية للحصول على عمل، لكن الزيارة كانت كافية لترك انطباع مذهل عن ماليزيا البلد الذي يجري بسرعة للحاق بركب التطور...... عدت إلى اليابان وكانت الثورة قد اشتدت في سوريا في العام 2012 والإجرام والموت في أوجه والكل ينصحني بعدم العودة لسوريا. المنحة ستنتهي ومغادرة اليابان واجبة إذا لم أحصل على عمل لأن الاقامة تنتهي بانتهاء الدراسة وأنا أمام ثلاثة خيارات: ماليزيا – اليابان – سوريا الثورة والحرب.
رغم أنني لم أكن أخطط للعودة لسوريا أصلاً لو
تمكنت من ذلك، لكن حسابات الثورة وضرورة نصر أهل سوريا كانت أحد هواجسي علماً أنه
في ذلك الوقت كانت رواتب الجامعات الخاصة في سوريا تفوق الأجور في اليابان. ولي
صديق سبقني بعام وذهب إلى سوريا مع بدايات الثورة والمظاهرات السلمية وكان الأمل
وقتها أن الأمور لن تطول فالربيع العربي (كما أطلق عليه) دق كل الأبواب ولن تكون
سوريا استثناء. وكان صديقي ينصحني بالعودة بل وجزاه الله خيراً ساعدني للبدء
بإجراءات تعادل الشهادة لاحقاً. أنا شخصياً كنت أعلم أن سوريا استثناء كبير جداً
فمن يعرف أحداث الثمانينات وله أقارب اختفوا وآخرون خرجوا من تدمر يعرف الأساليب
الوحشية والممارسات ويمكن أن يتوقع مآلات الأمور.... المهم
تغلب خيار ماليزيا على سوريا لأنني رجحت وقتها أن دوري هو الاستعداد للمساعدة في
تطوير البلد حسب اختصاصي وحسب ما سأتعلمه في ماليزيا (إن قدر الله لي ذلك طبعاً).
ولذلك تقدمت بفيزا بحث عن عمل في اليابان مدتها ستة أشهر لضمان البقاء بشكل قانوني
للفترة الانتقالية بين التخرج والحصول على أوراق العمل. كنت أقوم بعمل جزئي في
مركز أبحاث البيئة الياباني أثناء دراستي كمحلل بيانات وعرضوا علي عقداً كاملاً بعد
التخرج وقبلته. نعم تقدمت للعمل في اليابان لأنني أنوي الذهاب لماليزيا... ذلك أن مشروع
ماليزيا يحتاج إيجاد عمل وإجراءات إقامة وهي تأخذ وقتاً. وكنت أنوي زيارة سوريا في
شهر نيسان 2012 لكن احتدمت الأمور في سوريا وصارهناك تفجيرات وهاون في دمشق وبدأت
وتيرة الاعتقالات الاعتباطية تزداد وحتى صديقي الذي كان يشجعني للعودة إلى سوريا
سبقني إلى ماليزيا لاحقاً على حسابه الشخصي ومكث فترة ريثما وجد عملاً. أما أنا
فمكثت في اليابان شهراً واحداً بلا عمل لأنني أجلت بداية عقدي لأنني كنت أنوي
السفر لسوريا. لكن لم أسافر وبعد شهر عملت في
اليابان واستمر البحث عن عمل في ماليزيا.
بعد بضعة أشهر من البحث في الجامعات الماليزية جمعني الله بإعلان لاستقطاب أعضاء
هيئة تدريسية لجامعة ماليزيا حيث يزور فريق من الجامعة اليابان لاستقطاب الخريجين
من اليابان من مختلف الجنسيات. وهذه من الأمور التي تهم ماليزيا استقطاب خريجي
الدول المتطورة. ونجح الأمر وحصلت على عقد لمدة ثلاث سنوات وبدأ الاستعداد للسفر. أخذ
الموضوع حوالي السنة قبل انهاء إجراءات العقد وبداية العام الدراسي والفيزا
والإقامة. لذلك جددت العقد مع اليابانيين عاماً آخر لأن طبيعة عقدي في اليابان كان
عقداً سنوياً. كان قرار ماليزيا - رغم أن الراتب وظروف العمل أقل من اليابان ومن
سوريا - على مبدأ من ترك شيئأ لله عوضه الله خيراً منه. لم يعد وجودي في بلاد
اليابان مبرراً فقد سلكت طريق العلم وإنتاجي يجب أن يكون في مكان آخر. ما زلت أعتقد أنه كان قراراً صحيحاً وأمنت لي
الجامعة الإقامة وتذكرة السفر وغادرت اليابان مع بداية آب 2013.
عملت في ماليزيا لمدة 5 سنوات تعرفت فيها على مجموعة من الأصدقاء من حلب وحماة
وإدلب خصوصاً، بالإضافة للجالية العراقية. جمعنا الشوق للوطن وعدم إمكانية العودة وكانت صعوبة العودة صعبة بالنسبة لهم بشكل أكبر بسبب الخدمة العسكرية
الالزامية. أما أنا فكان الشعور بضروة العودة يؤرقني خصوصاً أنني دفعت البدل النقدي
منذ عام 2011.
بقيت في ماليزيا خمس سنوات كاملة كانت من التجارب المهمة في حياتي، تعلمت منها أكثر مم تعلمت في اليابان ذلك أن تطور سوريا لتكون مثل اليابان شبه مستحيل لكن مع التجربة الماليزية هناك أمل أن نحذو حذوها. وفيما يلي ملخص لأهم النقاط - برأي ومن خلال تجربتي - التي جعلت ماليزيا من الدول التي تتجه إلى النمو وبسرعة:
1- كما ذكر مهاتير محمد: البداية لابد أن تكون من التعليم، ولذلك تتنوع الهيئات التعليمية في ماليزيا من المدارس والروضات الخاصة إلى المؤسسات المهنية وحتى الثانوية العامة لها أنواع مختلفة ويهتمون كثيراً بالتعليم المهني. أما المدارس الثانوية فتكاد تكون جامعات ولمدير المدرسة سلطة كرئيس جامعة ويحق لها الحصول على موارد ذاتية وصرفها لتحسين وتطوير مدرسته. وتنال المدرسة كما الجامعة ميزانية أكبر كلما زادت نشاطاتها وإنجازات طلابها. وموضوع الدخول إلى الجامعة مهم جداً فهناك معارض على طول البلاد وعرضها للتعريف بالجامعات والاختصاصات في كل جامعة. ويهتمون بإرسالنا نحن الأجانب كنوع من الترويج للجامعات علماً أنني كنت أعمل في جامعة حكومية. وكنا نتواجد في عدد من المعارض بل ونقوم بعمل محاضرات تعريفية عن الجامعة والفرع الذي نعمل به لطلاب المدارس الثانوية الذين قاربوا على التخرج من المدرسة والالتحاق بالجامعة.
2- البحث العلمي هاجس عند الدكاترة الماليزيين: الترفيع مجز فراتب المدرس بحدود 2000 دولار أما الأستاذ المساعد فبحدود 3000 والأستاذ 4000 وهذا المرتب الأساسي وكل التعويضات الأخرى تتضاعف بعلو المرتبة العلمية وهناك تكريم سنوي ومكافئات سنوية لكل من ينشر حسب المجلة Q1 أو D1 وهكذا. أما التقديم على التمويلات المختلفة فهو هدف وسباق حقيقي وجزء أساسي من التقييم السنوي للمدرس بدونه لا يزداد راتبه الزيادة السنوية المعتبرة ضمن السقف وقد يفقد عمله ما لم يحقق النقاط المطلوبة والتي تتوزع بين إشراف على رسائل الطلاب ومشاريع التخرج – المعارض – الجوائز – التمويلات المحلية والدولية – تقييم الطلاب – وحتى المساهمة المجتمعية لها نقاط والمجموع يجب ألا يقل عن حد معين وإلا فشل المدرس في تحقيق المتطلبات.
3-
الصناعة: ماليزيا بلد صناعي بامتياز فيه مصانع ومناطق صناعية في كل البلاد
تقريباً. كل الشركات العالمية لها فروع تصنيع في ماليزيا – 90% من السيارات التي
تسير في الشوارع هي سيارات ماركات ماليزية (بروتون أو برودوا) أو سيارات مجمعة في
ماليزيا وأشهرها هوندا وتويوتا وحتى مرسيدس لها معمل تجميع في ماليزيا وغيرها من
المنتجات الالكترونية والملابس والعتاد المختلف. وهدف توطين هذه الصناعات نقل
أساليب العمل والجودة من الشركات العالمية إلى الشركات الماليزية التي بدأت فعلاً تنافس الماركات العالمية
في غالبية القطاعات. حتى على مستوى صناعة الوجبات السريعة رغم وجود الماركات
العالمية كماكدونالد وبرغركينغ وKfc وبيتزا هوت لكن يتواجد إلى
جانبها مطاعم لمأكولات محلية بنكهات محلية تنافس هذه الماركات وتعمل بطريقة منظمة،
أي تم تبني أساليب الإدارة والعمل في المجتمع الماليزي. وهنا يبرز مفهوم الجودة
والإدارة التي تدأب جميع المعامل والشركات على تحقيقها بأعلى المعايير وليس مجرد
اسم تسويقي كما يحدث عندنا.
وأهم ما يسعى الماليزيون لتكريسه هو ربط الصناعة بالبحث العلمي. مثلأ من المعروف أن
ماليزيا من أكبر الدول المنتجة لزيت النخيل. لذلك تركز الكثير من الأبحاث
والجامعات على تطوير هذه الزراعة والصناعات والمواد المشتقة من زيت النخيل ولذلك
نجد أن الهندسة البيوكيمائية والبتروكيميائية هي الفرع الأكثر طلباً في ماليزيا
وبالنسبة للصيدلة الصناعات الدوائية هي الأهم. ومما أثار انتباهي أن طلاب الجامعة
الاسلامية مثلاً يدرسون الطب في مصر ضمن برنامج تعاون... أي الطب في مصر يعتبر أفضل والدراسة في جامعة الأزهر ميزة لهم... وكانت
ابنة صديقي الذي ذكرته لكم ضمن الدارسين في جامعة الأزهر في مصر مع أنها من منتسبي
الجامعة الاسلامية في ماليزيا.
4- السياحة والنقل: المنشآت السياحية تملأ ماليزيا والفنادق من كل المستويات والطيران والنقل يغطي ماليزيا الواسعة وكله مؤتمت يتم حجز تذاكر الباصات وطلب التكاسي والطيران وحجز الفنادق وحتى الشقق. كله مؤتمت ومدعوم بالدفع الالكتروني بكافة اشكاله وأنواعه ويرحبون بالمواقع العالمية مثل booking وtrivago و agoda وغيرها والتي تقدم خصومات ترويجية لكل شيء في ماليزيا. وأهم مافي الموضوع الدعم الحكومي للمشتقات النفطية لدعم قطاع النقل والزراعة والصناعة لأن ماليزيا هي من البلاد الشاسعة والنقل عصب أساسي من أعصاب العمل بها ودون دعم سيؤثر ذلك على الأسعار والانتاجية.
5- السياسة والديموغرافيا: ماليزيا بلد علماني بشدة، يضمن حرية الدين والتنوع الإثني ذلك أن ماليزيا مكونة من عدة إثينيات: الأكثرية هم شعب الملايو المسلم والمتأثر بالثقافة الإسلامية اليمنية نوعاً ما لأن المنيين هم من أوصل الإسلام لماليزيا. وهناك الصينيون والهنود. 23.7٪ من الماليزيين من أصول صينية، بينما يشكل الماليزيون من أصول هندية حوالي 7.1 ٪. ولذلك ستجد الجوامع والمعابد الهندية (الهندوسية عموماً) ومعابد بوذا الصينية. أما نظام الحكم فهو نظام وزاري تحت سلطة ملكية دستورية فيدرالية. ماليزيا تتكون من عدد من المقاطعات لكل منها سلطان. ويختار من بين السلاطين ملك بشكل دوري – لكن الحاكم الفعلي هو رئيس الوزراء الذي يمثل الحزب الفائز في انتخابات المقاطعات. ويوجد حكم فدرالي حيث أن الحزب الفائز في مقاطعة ما يكون حاكماً لها. مثلاً الحزب الاسلامي يفوز غالباً في مقاطعات الشمال الشرقي وهي المقاطعات ذات التوجه الاسلامي والشعب الماليزي بشكل عام متنوع الأفكار والاعتقادات. حزب مهاتير محمد الاساسي أو السابق (الجبهة الوطنية (بالملايوية: Barisan Nasional) كان علمانياً اشتراكياً بطريقة ما ويوجد أحزاب أخرى وحزب لمنافسه أنور ابراهيم (عدو الأمس حليف المستقبل) وأحزاب صينية والحزب الاسلامي المرتبط بأفكار البنا.
*** وهنا أود أن أذكر أهم تجربة ديمقراطية
عشتها في ماليزيا وأنهي بها هذه التدوينة:
بعد ترك مهاتير الحكم جاء رئيس وزراء ضعيف وبعده جاء نجيب عبد الرزاق ونجيب كان ابن أول رئيس
وزراء ماليزي (عبد الرزاق حسين) والذي يعتبر الأب الروحي سياساً لمهاتير والذي كان مهاتير وزيراً
للتعليم في حكومته فبقدوم نجيب استبشر الناس خيراً وكانت فترة وجودي في ماليزيا هي
فترة بداية عهد نجيب. للأسف تبين بسرعة أن نجيب فاسد اتهم بسرقة أموال صندوق دعم ماليزيا
وتسبب بأزمة اقتصادية أدت لتضخم وانخفاض سعر صرف العملة الماليزية بقيمة 25%
تقريباً. لست بصدد الخوض بالتفاصيل أو تأكيد أو نفي أي شيء. لكن ما يعنيني في هذه
القصة هو كيف تم التخلص من الحكم الذي اعتبر فاسداً وكيف حصلت معركة لا أنساها. كان
التخلص من نجيب لا يمكن أن يتم إلا بتدخل مهاتير محمد والذي بلغ من العمر 92 عاماً وقتها.
نجيب كان مسيطراً ووريثاً لأقوى حزب – حزب والده الذي هو حزب مهاتير ولإيقاف نجيب كانت
معركة ديمقراطية بمعنى الكلمة.
شكل مهاتير محمد حزباً جديداً بالتعاون مع نائبه سابقاً الذي تحول إلى عدوه لاحقاً
وسُجن ليشكل حزباً معارضاً لمهاتير (أنور محمد) وتحالف الحزب الناشئ مع أقوى
الأحزاب الصينية ليشكل تحالف الأمل (بالملايوية: Pakatan Harapan) ليتدافع الشعب الماليزي في الانتخابات ويفوز تحالف المعارضة التي
ترأسها مهاتير ضد الحزب الحاكم حزب مهاتير الذي حكم كل السنوات السابقة من خلاله.
وليثبت الشعب الماليزي وعيه ويرسخ تجربة ديمقراطية مميزة.
Comments
Post a Comment