TEDx AlQassaa 2023
تيد إكس القصاع 2023
لعل تجربتي كمتحدث في فعالية #TEDx القصاع هي واحدة من التجارب المميزة في حياتي لسببين أساسيين: أولهما أن الاحساس بأن المرء أصبح يملك تجربة تستحق المشاركة لتحفيز الآخرين هو ليس بالأمر السهل، لا شك أن لكل مرء تجاربه، وفي الأربعينيات من العمر لا شك أن للمرء تجربة مقبولة في الحياة، لكن هل فعلاً هذه التجربة تصلح لتكون أفكاراً تستحق النشر Ideas Worth Spreading والذي هو شعار TED؟ هذا كان التحدي الأول. أما التحدي أو السبب الثاني، فهو فكرة أن تحضر خطاباً في مدة لا تتجاوز 18 دقيقة لتتكلم به عن تجربة. هذه التجربة اخترت أن تكون في موضوع واسع ومهم جداً، ألا وهو البحث العلمي وعلاقته بتطور الدول في دولة أنهكتها الحرب... طبعاً هنا تتضاءل أهمية الأربعينيات من العمر، ففي الأربعين يعتبر المرء ما يزال باحثاً في أول الطريق. فهل أنا باحث متمرس حقاً بالبحث العلمي لأتحدث عنه في خطاب تحفيزي وبلغة بيضاء - بلهجة عامية - في محاولة لتبسيط الأفكار ....
أول
حدث لـTed شاهدته كان في عام 2009 لمهندس أو طالب هندي اسمه Pranav Mistry
كان يتحدث عن الكمبيوتر والتكنولوجيا باعتبارها الحاسة السادسة عنوان
الخطاب كان: The thrilling potential of SixthSense technology وكنت وقتها
في السنة الأولى دكتوراة بعد أن أنهيت الماجستير.
من وقتها أثارت لقاءات
تيد اهتمامي. فكرة أن يتكلم شخص عن تجربة شخصية وشغف أو هدف شخصي ليشاركه مع
المجتمع بما لا يزيد عن 18 دقيقة هي سر نجاح هذا النوع من الخطابات وهو تحدي
كبير للمتحدث.
شعرت ببعض الغيرة عنما وصل Tedx لسوريا وشاهدت الخطابات في 2015 وتمنيت أن أكون من المشاركين، لكن وقتها كنت في ماليزيا، ثم كان أن تحققت أمنيتي بفضل فريق Tedx القصاع
خضت التجربة التي صاحبها الكثير من الجهد التحضيري والتوتر الذي يسبق صعود المسرح، لكن في النهاية كانت من أجمل التجارب في حياتي. ولذلك لا يسعني إلا أن أنشر محتوى هذه التجربة الذي ساعدني بصياغته فريق سعدت كثيراً بالتعامل معه.
أولهم منظم الفعالية، العزيز : أ. أحمد الطُبل الذي تعجز الكلمات عن وصف ديناميكيته وتفانيه واهتمامه بأدق التفاصيل.
ومن ثم الفريق التنظيمي ككل: وأخص منهم الآنسة غدي البدوي التي كانت من اتصل بي لتخبرني خبر الاختيار- أحمد الفروح - الأستاذة رشا محفوض مشرفة المحتوى وفريق صياغة المحتوى ككل ومنهم لين القباقيبي وعدي شبيب صاحب تصميم السلايدات - الأستاذ علاء الصغير المخرج المميز ومشرف الميديا وفريقه الرائع.
الحديث موجود على اليوتيوب https://youtu.be/wYuwIz4SsxY?si=T5HOt0udfTt5b-gL
وهذا نصه باللغة الفصحى:
ابحث (Research)
مساء الخير، في الاستراحة كان أحد الشباب يدخن، اقتربت منه ونصحته بترك التدخين لأنه مضر بالصحة، قال (وكان جدياً) بالعكس دكتور، هناك دراسة أثبتت أن القليل من التدخين يفيد.
جدتي رحمها الله كانت تنصحنا بأكل الدهن.. هل تعرفون الليّة؟ لا شيء أطيب منها مشوية.. بحسب جدتي، فإن الدهن بزيّت المفاصل... رحمها الله لم تذكر لنا مصدر البحث الذي استندت إليه. لا أعلم حقيقة ما وضع مفاصلي، هل تزيتت أم لا؟ لكن من الواضح أن عندي مشكلة مع الدهون (الكرش)...
أنا محمد حيان السباعي أقدم نفسي كباحث، باحث محترف حائز على شهادة، أي حصلت على شهادة الدكتوراه في مجال الـcomputer science أو الهندسة المعلوماتية بحسب الاسم الشائع لاختصاصي في سوريا، ومختص بشكل أساسي بالذكاء الصنعي وبدقة أكثر بالرؤية الحاسوبية، وسعيد بوجودي معكم اليوم بلقاء تيديكس Tedx القصاع.
تيديكس، كما تعلمون، المفروض أن هدفه الاضاءة على تجارب الافراد في المجتمع المحلي، لا شك أن غالبية الموجودين هنا سوريون، لكن من الممكن أن هذا الخطاب سيتم تصويره وسأشاركه على صفحات التواصل الاجتماعي ليراه ابن خالتي الألماني وابن خالتي التاني السويدي ورفيقي الأمريكي وبعض أقاربي وأصدقائي السوريين في أكتر من مكان عبر العالم. وللأسف غالبيتهم من أصحاب الكفاءات الذين خسرناهم..
لذلك اسمحوا لي أن أحكي لكم عن تجارب لا محلية نوعاً ما عشتها أيام دراستي وعملي في اليابان، وأيام عملي كمدرس في ماليزيا قبل أن أرجع إلى سوريا في العام 2018..
وسأستشهد ببعض التجارب الدولية وحتى ببعض الأفلام السينمائية حول البحث العلمي..
دعونا ب=نبدأ بواحد من الأفلام الأجنبية غير الهولييودية، والذي يوثق لبعثة هندية لاكتشاف المريخ (Mission Mangal): محفزة الفريق وصاحبة الشغف تطرح سؤالاً مهماً جداً على الفريق المحبط والذين يعتبرونهم علماء من الدرجة الثانية...
السؤال يقول : متى ولد العالم أو الباحث داخلك؟..... بسؤالها تثير الذكريات فيهم.... وتستمر بحديثها:
حلمنا بالعلم وأصبحنا علماء، سرقتنا الحياة وضعفت أحلامنا حتى صارت حياتنا تقليدية وروتينية.. لكن اليوم الخيار لنا.. استعيدوا شغفكم..
وفي نهاية الفلم يوصلهم شغفهم إلى المريخ، أو بالاصح نجحوا بمهمة إرسال قمر صناعي ليدور في مدار المريخ بطريقة مبتكرة وبميزانية هزيلة وسبقوا الجميع..
الفلم كان عم يركز على الابداع المحلي.. ونجاح الفريق المحلي بمنافسة علمية مع فريق بقيادة شخص من أبناء البلد كان يعمل في ناسا. وبين طياته يحمل الفلم رسائل كتيرة منها ..
وهنا الحديث عن تجرية فاشلة كلفت الملايين ربما وانفجر الصاروخ
سأخبركم بسر.. النجاح في بلاد العالم المتقدم سهل نسبياً، لا شك أن هناك صعوبات من نمط مختلف كتعلم اللغة والاندماج في مجتمع جديد والحنين للأهل والوطن. لكن بوصولك إلى تلك البلاد خصوصلً إذا حصلت على منحة دراسة يصبح بين يديك عدد من الامكانات والتسهيلات الكبيرة .. هناك يوجد الكثير من التحفيز وكل ما بحثت أكتر تنال تشجيعاً مالياً ومعنوياً أكبر وتنشر أبحاثك بسهولة ...
صحيح أن العلماء المهاجرين يحققون انجازات هامة للانسانية ككل، لكنهم يحرمون بلادهم من حصتها في اقتصاد المعرفة..
اقتصاد المعرفة أو الاقتصاد المبني على المعرفة Knowledge-Based Economic هو اقتصاد اليوم.
اليوم...قوة الدول لم تعد عسكرية فقط، وانما جزء أساسي منها هو القوة الاقتصادية التي تعتمد على الدراسات الاجتماعية والعلمية والنفسية والاستراتيجية.
الحروب لم تعد عضلات وعنتريات بل قنابل ذكية ومسيرات.
كل شي صار قائماً على البحث العلمي بما في ذلك التسويق والرياضة والترفيه وصناعة نجوم الفن والتمثيل، حتى الوجبات السريعة ونكهاتها التي يحبها كثيرون صار تسويقها وتحضير نكهاتها قائماً على الاستبيانات ومعرفة أذواق الناس.
المعلومة سلعة مهمة وتتهم اليوم وسائل التواصل الاجتماعي ببيعها وجني أرباح كبيرة منها.
دعوني أتشارك معكم بمعلومة: تشير تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن الدول تنفق سنوياً مليارات الدولارات على البحث والتطوير أي الاقتصاد المعتمد على المعرفة ويصل المجموع إلى أكثر من 1.5 تريليون دولار....
لا شك أن التعليم واحد من أهم مصادر تعزيز المعرفة والتنافس لكن التعليم على أهميته لا يكفي وحده ... التعليم هو بطريقة ما استهلاك للمعرفة لا إنتاج لها
من خصائص الاقتصاد الجديد القائم على المعرفة:
1- التعليم القائم على التطوير والتفكير والابتكار
2- البنية التحتية المبنية على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
3- التحفيز
4- ريادة وتسريع الأعمال.
الخاصة الأولى: التعليم القائم على التطوير والتفكير والابتكار تذكرني بفيلم تان عنوانه الحمقى الثلاث 3 idiots. يسعى البطل الذي يفكر دائماً خارج الصندوق ليقنع من حوله أن يعملوا بجهد ويتبعوا شغفهم. البطل رانشو يقول:
في الفيلم حتى الأطفال أصبحوا علماء ومخترعين، "البصيم" أو "النيرد" - كما نسميه - لم يصبح مخترعاً في الفلم رغم تفوقه، أصبح ناجحاً كمدير شركة تنفذ وتطور اختراعات يكتشف لاحقاً أنها إنها لرانشو.
الحقيقة خلال دراستي الجامعية كنت أشبه رانشو إلى حد ما، وحتى اليوم ألحق بشغفي والأشياء التي أحبها دون ما يكون التفوق أو العلامات أو الترند بمصطلحات اليوم هو الهدف...
دعوني أشارككم الآن تجربتي لما رجعت إلى سوريا في العام 2018 .. للأسف لم أجد مكان العمل أو المختبر الذي يحقق طموحاتي ويسهل عملي ... الحافز الداخلي دفعني لأساهم مع مجموعة من المهتمين مثلي بتسجيل جمعية تهتم بالبحث العلمي.. وخلال 4 سنين نجحنا بالحصول على تمويل لمشروعنا من أحد المنظمات، عملنا على إنشاء بنية تحتية مقبولة وأسسنا مكان عمل هدفه احتضان الأفكار والمساعدة في تحويل الأفكار لمنتجات، صحيح أننا نسير ببطئ لكن بخطوات ثابتة نحاول أن نبني مجتمعاً معرفياً بحثياً وننشر ثقافة البحث العلمي بين الشباب..لكن هل تعرفون ما ينقصنا؟ بينقصنا المستفيدون، أصحاب الشغف والصبر والجلَد ليشاركونا حلمنا ونتساعد معهم لنحول أحلامنا وأحلامهم لمشاريع.
البحث العلمي ليس أمراً معقداً، يمكن أن نفهمه ببساطة – هو بحث وعلم
ما العلم ؟ يمكن تعريفه بأنه أسلوب منهجي لبناء وتنظيم المعرفة على شكل تفسيرات وتوقعات قابلة للاختبار حول كل شيء في الكون...
والبحث العلمي.. إما بحث أساسي وهو بحث عن المعرفة (يشبهه فاراداي بالطفل المولود حديثاً ) أو تطبيقي يبحث عن حلول جديدة للمشاكل العملية باستخدام المعرفة.
بمعنى آخر البحث العملي يحول المواد الأولية (البيانات) إلى (معلومات) يتم تحليلها لينتج عنها (المعرفة). وهنا مربط الفرس. انتبهوا لموضوع مهم: المعرفة ليست مطلقة دوماً. المعرفة أحياناً هي خريطة / نموذج شخصي ورؤية خاصة للعالِم أو المكتشف أو الباحث.
المعرفة نموذج شخصي للعالِم .. لذلك برأيي اقتصاد المعرفة لا ينجح في أي مجتمع مالم ينطلق من نموذج معرفي محلي. وهذا ما يمكن تسميه بـ NPA National Priority Areas أو مجالات الأولوية الوطنية....وهي بدورها يجب أن تكون مخرجات دراسات وأبحاث
خلال فترة التحضير للدكتوراه، تولد عندي سؤال عن ما هي الدكتوراة. بحث عبر النت أوصلني للدكتور مات مايت Matt Might وكان وقتها اختصاصياً بمجالنا (Computer science). يشرح د. مايت الدكتوراة بأسلوب جميل. وبالمناسبة د. مايت عنده حديث رائع علىTedx Birmingham من يهتم بالبحث العلمي أنصحه بمشاهدته.
هذا الفهم جعلني أشبه شهادة الدكتوراة بشهادة السواقة. من يملك شهادة قيادة (سواقة) يعرف كيف يقود السيارة، لكن هذا لا يجعله سائق سباقات محترف. حتى تصبج سائق سباقات محترف يجب أن تستمر بالتدريب والـتأهيل دون توقف.
ويمكننا أن نقول أن دراسة الدكتوراة بالمجمل لها ثلاثة مخرجات: معرفة (منشورات علمية) – نماذج أولية (تتحول إلى منتجات وتوثق ببراءات اختراع) - وموارد بشرية (باحثين).
حصيلة تجربتي باليابان وماليزيا، أن البحث العملي يا جماعة هو دأب أكثر منه ذكاء ويحتاج للديناميكية التي علمتني ان العالم والباحث خلال مسيرته لا تجري الرياح دائماً كما تشتهي السفن. وهناك عوائق وتجارب فاشلة وإحباطات.... لكن ما سيجعلك تستمر هو الشغف والصبر والحافز. والحافز الداخلي أهم.
وكل ما تعلمناه ونتعلمه اذا لم نطبقه بما يعود بالنفع على مجتمعنا المحلي وحاجاتنا قد تصبح قيمته صفر. قد تسألونني كيف؟ سأخبركم.
في ماليزيا طوروا زراعة النخيل – المشتقات المستخرجة من زيت النخيل صارت تحل محل عدد كبير من المواد المستخلصة من المشتقات النفطية. واعتبروه منتجاً وطنياً
نحن في سوريا لسنا أقل منهم على فكرة.
الوردة الشامية: زهرة سورية زرعها أجدادنا واستفادوا من منتجاتها كماء الورد، مربى الورد.. الزهورات... هذه المنتجات في الحقيقة هي مخرجات بحثية، ربما غير موثقة حسب مقاييس الكتابة العلمية لكنها نتيجة بحث وتعب وتجارب. واليوم يوجد في كلية الصيدلة من يحاول استخراج مستحضرات طبية منها.
ليست الوردة فقط، فالحاجة أم الاختراع... نحن بحاجة لطاقات بديلة تناسب ظروفنا ووقود بديل أو حيوي مستخرج من مكونات بيئتنا ومواد بناء رخيصة ومقاومة لنعيد بناء بلدنا... لذلك دعونا نبحث
إذا رجعنا لرأي الشاب حول الدخان، يا ترى صحيح ؟... وماذا عن رأي جدتي حول الشحمة المشوية... الجواب: ابحث
أيهما أحسن للصحة؟ زيت الزيتون ولا زيت الذرة؟ ابحث
المستحضرات الماليزية هل هي جيدة أم تضر بالبيئة؟ ابحث
أنا لا أستطيع أن أجاوب على كل الأسئلة السابقة بدقة. ولا تنتظروا من مختص بالرؤية الحاسوبية أن يجيبكم خارج اختصاصه، سؤالك أنت من تجيب عليه... ابحث لا تعني أن تسأل غوغل أو google scholar أو أي محرك بحث علمي فقط، بل ان تقوم ببحث علمي رصين.
ــ أن تصيغ سؤالاً بحثياً صحيحاً وتبين أهميته ومدى الحداثة والأصالة من خلال استعراض تجارب وابحاث الآخرين وهو ما يسمى الدراسة المرجعية، اختر منهجية صحيحة - فرضيات دقيقة - جرب احصل على النتائج - قارن وناقش ثم انشر بحثك في مجلة ذات عامل تأثير جيد أو سجل اختراعك واستثمره...وإياك والسرقة الأدبية بل انسب الجهد لأصحابه واستشهد بأعمالهم.
ثم استمر في نفس
الحلقة التي قد تشمل أيضاً التطوير والتسويق لمنتجك الفكري هذا واحد من أهم طرق
إعمار وتقدم الأمم والبلدان.
في النهاية أقول لكم: البحث هو منهج... منهج حياة لا يختص به
المتفوقون بل هو عمل الدؤوبين وبه ترقى الأمم. ابحث...
الحديث موجود على اليوتيوب https://youtu.be/wYuwIz4SsxY?si=T5HOt0udfTt5b-gL
Comments
Post a Comment