** ملخص لمجموعة من الخطب بعنوان حديث جبريل - أخبرني عن الإيمان للشيخ أسامة الرفاعي حفظه الله
منقول من المصدر هنا
- الإسلام جمع بين الدين والدنيا
أصل خلق الانسان مادة من طين وضع الله فيها الروح فكل التشريعات الأرضية أو السماوية تدور حول الروح أو الجسد أما الاسلام فيراعي الروح والجسد ويجمع بين الدين والدنيا مثلاً وطئ المرء زوجته بالحلال صدقة ولا رهبانية في الدين إذاً الدين واقعي قابل للتطبيق
- مصدر التشريع للإسلام واحد
وهو الله وطريق إيصال شرع الله الوحيد هو الرسول ص بما نقله لنا من قرآن من عند الله وبما علمنا مما علمه الله من خلال
سنته صلى الله عليه وسلم فهو لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى
وبما أن مصدر هذا الشرع هو الله فهو تشريع يناسب الفطرة التي خلقنا الله عليها وهو الأنسب لنا لأن واضعه هو خالقنا وهو مبرأ من الهوى لا يتحيز لأحد دون أحد وهو المبرأ من الجهل والخطأ
دورنا أما هذا الشرع أن نتلقاها بالسمع والطاعة دون اعتراض أو نقد أو تغيير، ويمكن مناقشة هذه التشريعات من خلال اجتهادنا في فهمها والتي أباح لنا الله فيها ذلك لتلائم تغير الأحوال وتغير الزمن أما النصوص نفسها فلا تنقد ولا تعدل بل تؤخذ كما هي بالتسليم لها
- كيف تلتقي التشريعات الإلهية
التلقي بالطاعة والتسليم دون أن يكون هناك مقررات سابقة يراجعها ليزين عليها مايتلقاه من شرع حنيف وهو ليس بالأمر السهل بل يحتاج مجاهدة شديدة فهنالك مصادر معرفة كثيرة تحيط بالمرء منذ الصغر وتختلف من شخص لأخر تدخل العديد من المقررات المسبقة التي تبني شخصية كل مرء وكثير من هذه الأمور هي من قدر الله كالأهل ومكان الولادة ومن نلتقي وما يصادفنا من تجارب وهذه كلها تشكل المنهج المختلف بين شخص وأخر ليدير حياته من خلاله فيحكم على كل ما يطرح عليه بالقبول أو الرفض فالمؤمن الحق يجب أن يحرر نفسه من هذا المنهج أمام شرع الله بل ويغير هذا المنهج بحسب ما يتلقاه من شرع الله ودينه بل ولا يقبل بحق يقرره له قانون وضعي إن كان ذلك ظلماً في شرع الله
يقول عزوجل: ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين(47) وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون(48) وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين (49) أفى قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون(50) إنما كان قول المؤمنينن إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون(51) ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون)) النور : 47-52
- الثوابت والمتغيرات في دين الإسلام
ديننا تكفل الله بحفظه فهو محفوظ إلى يوم الدين وهو الدين الصالح لكل زمان ومكان
أما الأديان الاخرى فقد أنزل الله بها كتباً ثم عمل القيمون على هذه الأديان على إضافة سير انبياءهم لها ثم أضافو لها تفسيراتهم وأفهامهم لهذه النصوص فجعلوها من صلب هذه الكتب وأوجبو قبولها وفرضو العقوبات على من خالفها ومن ذلك تفسيرات لأمور كونية وعلمية كانت أفهامهم في ذلك الزمان تختلف لما يثبته العلم فيما بعد وكان في أوربا أن درس ناس في مساجد الاندلس ونقلوا حقائق علمية من علماء المسلمين الكونيين ثم تدارسوها وطوروها وأضافوا عليهاوقدموا نظريات وحقائق تعارضت مع نصوص الكتب المقدسة التي زيد فيها ماليس فيها فأعدم كثير من هؤلاء واضطهدوا وعذبوا ثم كانت الثورة العلمية وما سموه بالعلمانية وهو في حقيقته الحاد تجردوا فيه من كل الثوابت فلاشيء ثابت وكله قابل للبحث والنقض
أما في الاسلام المصان فهنالك ثوابت لا يجوز الاقتراب منها ومتغيرات حسب تطور الكون لكن هذه المتغيرات فهي لا تتحرك بطريقة عشوائية بل إن التجديد والتطوير في الاسلام لا بد أن يكون على أسس وثوابت أيضاً فهي تدور حول محاور ثابتة حددها الشرع كما تدور الكواكب حول مركزها وحول الشمس وكما تدور الالكترونات حول النواةوكما أمرنا الله بالدوران حول الكعبة بنفس جهة دوران الأكوان
من الثوابت
- العقيدة الصحيحة التي تشمل الإيمان المطلق دون شك بوجود الله وصفات الكمال المطلق المثبتة له والتي لا تكون لغيره ووجود الملائكة والكتب السماوية المرسلة والأنبياء كما ذكرها الله في كتابه ثم اليوم الأخر والقضاء والقدر
- الحقيقة التي تقرر أن الله سبحانه وتعالى هو مالك الملك الخالق لكل مافي الكون فلا طلب ولاطمع إلا من الله ولا خوف ولاخشية إلا منه فلا ضار ولا نافع إلا الله ولا مانع ولا معط إلا الله
- أن شرط قبول الأعمال هو الإيمان فلا أجر في الإخرة لعامل مالم يكن مؤمناً والأجر إنما يكون للعمل الذي أريد به وجه الله لا الشهرة أو المال ...إلخ فإنما الأعمال بالنيات ويقول سبحانه وتعالى (نوف لهم أجورهم فيها) فالله لا يظلم أحداً ولن أجر الأخرة للمؤمن
- أن مهمتنا الوحيدة في هذا الكون هو العبادة يقول سبحانه وتعالى (إنما خلقت الجن والانس ليعبدون) والعبادة ليست عبادات الصلاة والصوم وماإلى ذلك ولكن كل عمل نقوم فيه لإعمار الأرض التي استخلفنا الله فيها فالعمل في الحقل والسوق والمعمل والمخبر كله هدفه العبودية لله تعالى ويكون ذلك بوضع هذه الحقيقة في أذهاننا في كل ما نعمل ويكون هدفنا مرضاة الله وطاعته وعبادته
- أن الله استخلفنا في الأرض لنعمرها وهذا الإعمار يكون بهدي الله وعلى ما يرضيه وعلى أن نقيم حكم الله فيها وإلا كنا خائنين للأمانة
- أن الله جعل الناس كلهم سواء فالناس سواسية كأسنان المشط ولا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلى بالتقوى
- لارابط بين الناس ولا وحدة إلا وحدة الدين ولا راية إلا راية الإيمان بالله أما إذا حكم أحد غير الله بالبشر سواء كان ملكاً أو جماعة أو مبدأ فلا بد أن يقع هنالك مظالم.
أمثلة
المعتزلة: فرقة أمنت بالتغيير ولكنها ابتعدت عن الثوابت ولكن لا يجوز تكفيرها مع ذلك
وقد قالو أن الحكم لله لكن الوصول لأوامر الله وما يطلبه منا نصل إليه بالعقل لا النقل أي أن عقولنا توصلنا لطاعة الله والحسن ماحسنه العقل والقبيح ماقبحه العقل أما الصحيح فهو أن الحسن كا حسنه الشرع والقبيح ماقبحه الشرع فالعقول مختلفة من شخص لشخص ومن زمان لزمان والعقل قاصر عن إدراك كل مكنونات الكون
وجدير بالذكر أن هذه الفرقة حكمت وحاولت فرض مذهبها بالقوة في عهد المأمون والمعتصم فلما دارت عليها الدوائر واستعاد أهل السنة والجماعة الأمر منهم تركوهم يعملون بحرية ولم يضطهدونهم ولكن الفرقة اندثرت لأنها تركت الثوابت وابتعدت عنها
الظاهرية: آمنت هذه الفئة بأن النصوص جامدة ثابتة عند ظاهر النصوص دون التعمق في بواطنها وقد أسس هذا المذهب العالم الفاضل دواود بن علي الأصفهاني الظاهري وقد أسسه بعد أن كان شافعياً ثم دونه ابن حزم في كتاب المحلى ثم انقرض هذا المذهب لأنه حرم القياس الذي هو أصل من اصول الشرع فوقائع البشر متجددة أما النصوص فلها حدود بالحجم ولكن الله جعل لنصوصه مرونة تستوعب كل هذه التغيرات
من التعامل مع المتغيرات القياس: شرع لنا القياس لنقيس كل ما يعترضنا من أمور جديدة على حوادث وأقوال ونصوص مثبتة في . الشرع. لكن الجدير بالذكر هنا أن القياس ليس لكل من هب ودب فالمفتي الذي يوقع فتواه فهو يوقع عن رب العالمين وحين ترجم ابن القيم كبار المفتين سمى كتابه أعلام الموقعين عن رب العالمين فالحلال والحرام والإفتاء لابد فيه من رسوخ في العلم ولابد لمن يتصدى له أن يكون أهلاً
الاجتهاد موضوع خطير والقياس من الاجتهاد ولابد للمجتهد أن يصل إلى شروط محددة يحق له بعدها الاجتهاد فمن هذه القواعد الإحاطة بنصوص الشرع من كل الأيات والأحاديث المرتبطة بالأحكام وشرط أخر هو العلم الواسع باللغة العربية وكذلك التمكن من علم الحديث وعلم الرجال والجرح والتعديل فيترك الحديث الضعيف لأنه محرم الأخذ به في الأحكام وإن كان لابأس بالأخذ فيه في فضائل الأعمال بشروط معينة
سمات الايمان ومعناه
الإيمان يعني التصديق في اللغة وفي الشرع يضاف إليه أنه يجب أن يكون بالعقل والقلب مع إقرار لذلك باللسان وأن يكون إيماناً يستقر في القلب فينعكس على الجوارح والتصرفات والعلاقات مع الناس ويشمل الإذعان لأوامر الله ونواهيه والتسليم لها تسليماً مطلقاً فلا يتبع المرء هواه ويكون في كل ما يفعل مراقباً لله متصلاً به في كل أحواله من مصائب ومن نعم فيكون شاكراً لكل نعمة هو فيها لانها من الله وليست بذكائه أو قوته تائباً عائداً إلى الله عند كل ذنب يقترفه أو مصيبة تصيبه وهو إيمان وتصديق يلازمه الحب لله والرضا به رباً وبالاسلام ديناً إيماناً بفضله وكرمه عزوجل ورجاء لجوده وعفوه.
والايمان كل كامل لا يتجزأ فإما أن يكون المرء مؤمناً وإما كافراً فلا يقول إيمان صحيح وإيمان فاسد أو كفر صحيح وفاسد بل المؤمن من آمن بكل أركان الإيمان والكافر من كفر ولو بركن واحد
والايمان كل كامل لا يتجزأ فإما أن يكون المرء مؤمناً وإما كافراً فلا يقول إيمان صحيح وإيمان فاسد أو كفر صحيح وفاسد بل المؤمن من آمن بكل أركان الإيمان والكافر من كفر ولو بركن واحد
أركان الايمان
الايمان بالله
كل صراعات البشر تعود لحقيقة الاقرار بوجود الله أو إنكار هذه الحقيقة وبالعودة إلى تاريخ الاسلام. هذا الدين نزل على أمة أمية بقرأن عظيم يفهمه الأمي والمتعلم والفيلسوف ويدرك كل من يقرؤه عظمته ما خلا قلبه من الغرور والتكبر والعتو. ولكن مثقفي المسلمين بمرور الزمن اهتموا بترجمة كتب الرومان والبيزنطيين و اليونان فتمت ترجمة علوم المنطق والفلسفة التي استفاد منها المسلمون في نشر دينهم واثبات عقائده ولكن انتشرت أيضاً فلسفات بشرية تصور عقائد مغلوطة وتصورات مشوهة عن الخالق استعملها الزنادقة والمنافقون معتمدين علم المنطق نشرها. وعلم المنطق يقوم على طرح مقدمات مجملة ومزينة تقنع المحاور فيستمر في طرح حقائق ليصل إلى إقناع محاوره بفكرته وإن كانت مغلوطة ولكن انبرى علماء المسلمين إلى توضيح هذه العلوم وتنقيتها من الخداع للوصول بعلم المنطق إلى علم إيجاد الحقائق والله هو الحق. وأدلة وجود الله عزوجل كثيرة وعديدة وقد فند علماء المسلمون أدلة إنكاره عند المنكرين وإن كان وجود الله عزوجل لا حاجة فيه لدليل ولكن النحرفين ممن لم يعرفو الله حق معرفته أوجدو مفاهيم مغلوطة دافعوا عنها وحاربوا المؤمنين بها لجهلم بالحق فمن يسمع الأدلة العقلية تمحى عنده الأدلة السابقة لضعفها ما لم يكن قلب المستمع محجوباً بالغرور والتكبر والتعنت لأفكاره المسبقة فكل من أزال من طريقه الجهل والتعنت والاستكبار وصل للحق أما المتكبرين في الأرض بغير الحق فالله يعاقبهم بحجب الإيمان عنها وتكون نهايتهم جهنم ويجب على المؤمنين أن يبتعدوا عن مجادلتهم أو إقناعهم فلا يحاور المتعنت المستكبر بل يحاور الباحث عن الحق
أدلة وجود الله
هذا الدين محفوظ بفضل الله لا بفضل هذه الأمة فهو القائل عزوجل “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” وهو دين العقل وأدلة وجود الله العقلية كثيرة وإن كان المؤمن الحق يستحي أن يحتاج لهذه الأدلة فكل مافي الكون يدل على وجود موجد هذا الكون ,لكن المؤمن لا بد له من تقوية إيمانه وتثبيته وحمايته من الانحراف بالمحافظة على الصلة مع الله سبحانه وتعالى بقراءة القرآن والمحافظة على ذكر الله وتعلم الدين ما استطاع المرء
أما الضالين المشوشين بمكائد الشيطان يحتاجون لأدلة تعيد عقولهم إلى جادة الصواب فلا بد من إجمال بعض الأدلة وبعضها فقط فلا يستطيع بشر أن يحيط بكل هذه الأدلة التي تدل على وجوده سبحانه وتعالى فكل خلق الله مانعلمه ومالانعلمه هو دليل على وجود الخالق وهذه الأدلة أيات لقوم يعلمون ويتفكرون ويعقلون
- العقل نور رباني يقذفه الله في قلب العبد يميز به بين الحق والباطل يتم في الرابعة عشر ويكمل في الأربعين يزداد بالمعلومات ويتناقص بالجهالات
وفاقد نعمة العقل هذا النور الرباني يسقط عنه التكليف فلا يطالب بشيء
- أما التفكير هو إعمال هذا العقل وتشغيله دون إهماله فلا بد من الإمعان في استعمال العقل للوصول إلى خير الدنيا والوصول إلى الله وهو عبادة يتقرب بها العبد لله فتفكر ساعة واحدة خير من عبادة ستين سنة
- والعلم هو المعطيات التي بثها الله في هذا الكون فمن يعمل التفكير فيها يملكها ويسخرها لما فيها الخير بمايرضي الله
ويكفي كأول دلائل وجود الله هذا الجسم البشري بأدواته وخصائصه ووظائفه كالعين وطبقاتها وخلاياها المستقبلة والأذن وجهاز الهضم والكلى والعضلات والجهاز المناعي وفوق ذلك كله العقل باقسامه وخلاياه العصبية التي تشكل ذاكرة الانسان فلا تتغير ولا تتجدد بل تبقى كما هي وتتحكم بكل الجسم ولا ننسى الجلد وخواصه وطبقاته ويكفي أيضاً أن كل واحد فينا موجود في هذا الكون رغماً عنه ولا قدرة له على اختيار أبويه وشكله وعلمه ثم عملية خلق الانسان وتشكله في رحم أمه وقد وصفها القرأن أروع وصف ثم نموه واشتداده ثم عودته ضعيفاً في أرذل العمر فمن موجد هذا البشر إلا خالقه سبحانه وتعالى وليس البشر وحدهم بل كائنات أكبر واصغر مختلفة ملونة لا مجال لحصرها فعلم النباتات علم واسع مختلف متلون وكذلك علم الحيوان والبحار والأعظم هو علم الفلك والكواكب السابحة بنظام دقيق عجيب لا يمكن إلا أن يوجد بقدرة قادر لا مثيل له وليس كمثله شيء سبحانه وتعالى عما يصفون
اللهم دلنا بك عليك يا الله
أما الدليل الثاني فهو السؤال من علم كل مخلوق قد خلق كيف يحصل طعامه وشرابه ويدير حياته فمن يوجه ذرات الغذاء الممتصة من الجذر لتذهب إلى البذرة فتجعلها مرة وإلى الثمرة فتجعلها حلوة وإلى القشرة فتجعلها صلدة نوعاً ما فتحمي الثمرة إنه الله الذي قدر فهدى – ومثال أخر الدبور الذي يصيد الجندب ويغزه بجرعة سم مخدرة تحفظ لحمه فلا يموت لاتقل فتفتله وتقتل أولاده ولا قليلة فيفيق ويفر ويوضع هذا الجندب المخدر مع البيوض فإذا فقست تغذى الأولاد عليها وقد بقيت محفوظة وغيره وغيرها من الطيور والأسماك المهاجرة التي لا تضل طريقها فمن علمها ودلها إلا خالقها الذي قدر لها عيشها ورزقها فهداها لسبله وأخيراً حتى نحن البشر فمن علم حديث الولادة المص والبلع وتحريك الوجه والفم واللسان مباشرة دون معلم وهي عملية معقدة ينفذها الرضيع أول ما يولد فمن علمه … إنها ولا شك هداية الله التي تتحكم بكل الحركات اللاإرادية أيضاً وبقي للانسان عقله عنده هداية مكرمة بالاختيار وقد هدانا الله إلى طريقي الشر والخير والكفر والإيمان وهذه هي المحنة والامتحان والأمانة التي رفضتها السماء والأرض والجبال وحملها الانسان فمن اختار الحق نجى ونال نعيم الأخرة وهو الطريق الفطري الذي تسير به كل الكائنات أما من اختار الباطل عذبه الله كما بين له وحذره
أسماء الله الحسنى وصفاته
علمنا الله من أسمائه 99 اسماً نتفكر بها وبصفاته من خلالها ولا يحق لنا التفكر بذات الله وماهيته وراءها لأن ذلك يفوق مقدرة عقول البشرويكفينا التفكر في خلقه الذي لم تحط به العقول رغم كل التطور العلمي فمايزال هنالك الكثير مما لاتدركه العقول عن خلق الله واسرار الكون فكيف يمكننا أن ندرك بعقولنا ماهية الخالق أما ما علمنا الله من صفاته وأسمائه فيمكننا أن ندرك شيئاً عنها لأن الله علمنا ما نقدر على فهمه فمثلاً هو السميع البصير وكوننا نملك نعمة السمع والبصر لنا أن ندرك ما يعني السميع البصير مع علمنا أن سمع الله ليس كسمعنا وبصره ليس كبصرنا ولكننا ندرك بفضل نعم الله معاني أسماء الله المتاحة لنا ونؤمن ان أسماء الله وصفاته منها ما لاندركه ولم يعلمنا إياه لعجزنا عن فهمها.
وأسماء الله العظيمة أوردها في القرآن في مواقع محددة لها رابط مع سياق الأيات حولها فلا بد من تدبر هذه الأسماء والاحاطة بها وتعلمها.
الإيمان بالملائكة
الإيمان بالملائكة مثله مثل الإيمان بالله والكتب والرسل والجنة والنار هو إيمان بالغيب الذي لا نلمسه بالحواس ولكن الإيمان بالله يجعلنا نؤمن إيمان اليقين بكل ما أخبرنا الله عزوجل بوجوده
الملائكة خلق من مخلوقات الله ومصادر معرفة الملائكة عليهم السلام هي القرآن والسنة وكتب أهل الكتاب والكتب القديمة وما نقله السلف والأولياء من هذه المصادر أو مماسمعوه أو مماكشف الله لأوليائه ككرامات
أما الكتب غير القرآن والسنة فلم يعتمدها الشيخ أسامة كونها محرفة فلا دليل على صحتها أو كذبها وكذلك الكتب القديمة التي قد تكون غير سماوية وكذلك ما نقل عن السلف والأولياء فلا يعتمد لأن النقل عن غير المعصوم غير معصوم وإن كان المنقول عنهم من خيرة البشر كأصحاب الرسول ص أو التابعين أو الأولياء الصالحين فإنهم بشر ويحتمل حديثهم الوهم والخطأ
الملائكة هم كائنات موجودة مخلوقة من نور حسب الحديث عن علئشة (ر) ولا نعلم عن خلقها أكثر من ذلك وهم مخلقون على الطاعة لايعصون الله ما أمرهم الإيمان بوجودهم هو من اركان الإيمان وإنكاره يدخل في الكفر وقد قدر الله لبعض البشر رؤيتهم كضيف ابراهيم وسيدتنا مريم التي تمثل لها جبريل عليه السلام بشراً سويا وكان الوحي يأتي رسول الله أحياناً كصلصلة الجرس وأحياناً يتمثل له رجلاً … وقد رأى الصحابة جبريل عندما جاءهم يعلمهم دينهم كرجل شديد سواد الشعر شديد بياض الثياب
وقد قدم الله الملائكة على أولي العلم الذين هم من أعلى منازل البشر
وهم يسبحون الله بالليل والنهار ويمجدونه ويقدسونه دون جهد كما نتنفس نحن دون أدنى جهد أو تفكير
وأسماء الملائكة الواردة في المصادر الصحيحة هم
جبريل عليه السلام: رأس الملائكة ورئيسهم وأعظمهم وهو سفير الله عزوجل إلى رسله وهو الحامل الأمين لوحي الله إلى الأرض وهو المؤيد والناصر والمثبت للرسل وخصوصاً نبينا صلى الله عليه وسلم وهو مسؤول عن الريح والجنود يبعث الله به عندما يريد عزوجل أن يهلك قوماً
ميكائيل عليه السلام هو ذو منزلة عالية وهو بعد جبريل عليه السلام وهو وجبريل وزيري رسول الله في السماء بينما أبو بكر وعمر هما وزيرا الأرض حسب الحديث الصحيح وهو مسؤول عن النبات والمطر فهو من يسوق السحاب ويمطره
اسرافيل عليه السلام وهو صاحب الصور الذي ينفخ فيه فيهلك من على الأرض الأجمعين وينفخ الثانية ليقوم الناس أجمعون من لدن سيدنا أدم إلى أخر الدنيا
الكتبة الحفظة يكتبون كل تصرف وحركة وسكنة بل وكل عمل قلبي والله حسب عقيدتنا لايحتاج لكتبة فهو المطلع على كل شيء ومحيط بكل شيء ولكن الكتبة يكتبون لإقامة الحجة أي حجة خلقه على خلقه فيشهد على المرء يوم القيامة نفسه وأطرافه وكل ما كتبه الكرام الكاتبون وهكذا يوم القيامة يقيم الله الحجة على عبيده فلا يتجرأ أحد أن يظن بالظلم وقد أعلمنا الله سبحانه وتعالى أن أمتنا مثلاً تشهد على الأمم الأخرى بالنذر التي جاءتهم من خلال القرآن. وهؤلاء الكتبة علمهم الله أن يكونوا كريمين من كرمه فهم لا يكتبون سيئة العبد إذا هم بعملها إلا إذا عملها وإذا عملها فتكتب سيئة واحدة وإذا لم يعملها خوفاً من الله فهي حسنة أما الحسنات فإن لم يعملها في حسنة واحدة وإذا عملها فهي عشرة
ويوم الحساب قريب فليفكر كل منا بأي كتاب يلقى ربه حيث توزع الكتب وهناك من يأخذ كتابه بيمينه وهناك من يأخذ كتابه بشماله فالانسان بعمله يملي والحفظة يكتبون فالأدب أمامهم وأمام الله أن يبقي المرء كتابه نظيفاً من الفضائح والذنوب والمنكرات وليتخيل كل امرء موقفه وقد استلم كتابه وانكشفت أعماله التي عملها متستراً عن أعين الناس ولكن ليس عن أعين الحفظة ومن فوقهم الله عزوجل.
المعقبات - الملائكة التي تحفظ الانسان لكل انسان ملك يلازمه منذ أن يكون نطفة حتى يولد ويكتب رزقه وعمره وشقي أم سعيد كما ورد في الصحيح ثم بعد أن يولد المرء يرافقه ملائكة تحفظ الانسان من الكوارث والحوادث وهي تسمى المعقبة لأن بعضها يعقب بعضاً لحفظ الانسان وهن من بين يدي المرء ومن خلفه عن يمينه وشماله يحفظونه بأمر الله وهذه الملائكة تملئ الافق ولكن لا نراها ولو أن هذه الملائكة تتخلى عنا لتخطفتنا الشياطين وهذه الملائكة تحفظنا من كل ما يمكن أن يصيبنا إلا ما قدره الله علينا فإذا جاء قدر الله وأمره خلّت هذه الملائكة بيننا وبين قضاء الله ليصيبنا
حملة العرش في الحديث ما بين شحمة أذن أحدهم ومنكبه مسير سبعمئة عام وماذلك على الله بعزيز ولا عظيم وقد رأينا في هذه العصور بتطور العلم مخلوقات وكواكب علمنا منها القليل ونجهل الكثير وحملة العرش رغم انشغالهم بحمل العرش ومن حولهم يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للمؤمنين ويدعون لهم بينما أكثرنا غافلون فتأملوا نعم الله على المؤمنين
القرين من الملائكة وهو مقابل لقرين الجن فذلك يدعونا للشر وقرين الملائكة يدخل إلى قلوبنا فيلهمنا الخير ويدلنا عليه فمن يستجيب لداعي الخير فقد نال الخير ومن تجاهل هذه الواردات الخيرة فقد خسر حيث يخرج الملك من قلبه فيفرغ مكان للشيطان وقرين السوء فيهدي إلى سبيل الضلال.
الملائكة التي تحف طلبة العلم وهم يضعون أجنحتهم لطالب العلم تواضعاً وإن كان خلق الملائكة أشرف من البشر وهم يسجلون طلبة العلم ليشهدوا لهم ومنهم من يكتب من يأتي يوم الجمعة الأبكر فالأبكر وكذلك الملائكة الذين ينقلون الصلاة على النبي
خزنة الجنة وخزنة جهنم يسألون أهل جهنم ألم يأتكم نذير ويسلمون على أهل الجنة ويقولون لهم طبتم ادخلوها أمنين
وكثير من الملائكة الموكلين بالجبال والرياح وكثير كثير من الملائكة لانملك أن نحصيهم
ملائكة الموت هم صنفان ملائكة الرحمة وملائكة العذاب والموت لا يكون بأمرهم ولكن بأمر الله وهو مدركنا جميعاً فروح المؤمن تخرج بيسر وهي النفس المؤمنة وروح الكافر تبدأ رحلة عذابها الذي لا ينتهي من عذاب الموت إلى عذاب القبر فعذاب جهنم ولا يغتر المرء فإنما الأعمال بخواتيمها كقصة الرجل الذي قتل 99 رجلاً أتمها 100 بالعابد ثم تاب
الإيمان بالكتب
التوراة والانجيل والزبور والقرآن وهذه الكتب تدل على صفة الكلام عند الله سبحانه وتعالى الذي قال وكل موسى تكليماً ونحن نؤمن بصفات الله مع علمنا على عدم قدرتنا على الإحاطة بها ولكن نؤمن بها كما أخبرنا به الله على لسان أنبيائه ورسله
وهذه الكتب يكمل بعضها بعضاً لتكون أخر رسالة وأخر تشريع من خلال القرآن الذي جاء مصدقاً لما قبله كما كان الانجيل متمماً للتوراة ومحللاً لبعض ما حرم في التوراة
وفي القرآن دعوة للتصديق بكل الكتب ودعوة لأهل الكتاب للإيمان بالقرآن ليتمموا شريعتهم وإيمانهم
وأمتنا أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي الأمة الوحيدة التي تؤمن وتصدق بكل رسل الله وكتبه
والكتب المطلوب المؤمن بها هي كتب أنزلها الله لتتبع وتصدق ويتم تطبيق كل مافيها دون مناقشة أو تشكيك فلا يمكن أن ينالها الخطأ طالما أنها كلام الله ولكن ذلك له شروط
أولها أن تنزل على نبي مؤيد بالأدلة والمعجزات التي يثبت الله بها نبوتهم
وثانيها أن يمليها الرسول نفسه كما جاءه بها الوحي فلا يتدخل فيه بشر يضيف وينقص وقد اختلطت الكتب السابقة إلا القرأن الكريم الذي حفظه الله حيث نجد في الانجيل مثلاً وحي الله وأقوال النبي عيسى وفوقه أقوال الحواريين بحيث اختلطت كلها فلا يمكن فصلها ولذلك لا يمكن أن نثق بكل ما فيها مثلاً فإن انجيل برنابا يؤكد وحدانية الله التي حرفت في الأناجيل الأربعة وإن كان فيه أيضاً أخطاء جغرافية يحتج بها المسيحيون على بطلانه ليناقشوا المسلمين الذين يستشهدون بما فيه من التبشير بنبينا محمد وقد احرق هذا الانجيل في العصور الوسطى بسبب هذه الأخطاء ولأنه يخالف الأناجيل الأربعة من حيث التوحيد ومن حيث أن ابن سيدنا ابراهيم الذي طلب منه ذبحه هو اسحاق
ثالثاً السند الصحيح الذي يثبت صحة تناقل هذا الكتاب بصورته الحقيقية المطابقة لقول الرسول نقلاً عن ربه وهذا العلم لم يعرف قبل الاسلام وقد قيض الله للمسلمين هذا العلم ليضمنوا صحة قرآنهم الذي نقل لنا متواتراً بشكل لا يقبل الشك بلفظه وقراءاته عن رسول الله وليحفظوا أحاديث رسولهم
تحريف الكتب
1- التوراة والتلمود
التوراة هو كتاب الله الذي نزله على سيدنا موسى عليه السلام أما تاريخ التوراة الحالي فهنالك 3 نصوص للتوراة في القرن الثالث قبل الميلاد وقد دون نص متفق عليه في القرن الأول للميلاد أما النص المتفق عليه الآن فقد وجد في القرن التاسع الميلادي باللغة العبرية وهو القرن الثالث الهجري أي بعد سيدنا موسى بقرون عديدة يزاد فوقها التسع قرون الميلادية ثم وجد التلمود الذي هو شروحات وتفسيرات وضعها وعدل بل وزور فيها الحاخامات ففيه في الصفحة الرابعة والسبعين مثلاً أن تعاليم الحاخامات لا تنقض ولا تتغير حتى بأمر الله. وقد ادعوا أيضاً القدرة على تغيير القضاء والقدر ويحتجون بقدراتهم اليوم وتقنياتهم ولكن قدر الله أن النصرة لأمة محمد التي تتربى نفوس أصحابها وتصقل كما تربى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي هذه التوراة تعاليم غريبة فحرام عليهم أكل مال اليهودي بالربا والغش والسرقة ولكنها حلال لأممين غير اليهود. فتحريفهم لما نزل به جبريل على قلب سيدنا موسى لا مجال للشك فيه
2- الانجيل
كما في التوراة فإن نصوص الانجيل ليست فقط ما أنزله جبريل عليه السلام على نبي الله ولكن شابه كلام النبي وكلام الحواريين والمفسرين كلها جمعت في هذه الكتب واختلط مافيها فلايمكن فصله وكما نعرف كل قول ليس بقول الله هو قابل للخطأ
ولذلك عندما اتخذ أهل الديانات الأخرة كتبهم كماهي مع كل ماوجد فيها من أصل ومضاف وأعطوها صفة القدسية وصار للرهبان والباباوات يأمرون وينهون بل وأصبحوا هم المتحكمين بالدول وتعيين الملوك ثم تطور البحث العلمي فاصطدم علماء الغرب بما يحويه كتابهم المقدس فقد اصدمت حقائق أثبتها العلم بحقائق أصلها وفرضها الكتاب المقدس وأعطاها صفة القدسية فمثلاً أن الأرض ليست كروية وهي ليست بكلام الله بل وليس أنبيائه إنما هي كلام بشر ولكن أضيفت للكتاب ولضمان قدسية الكتاب المقدس أسست محاكم التفتيش ثم انتصرت الحقائق العلمية فحمل الناس الدين مالم يحمل فنقض هذه الحقائق المحرفة التي أضيفت للكتب المقدسة امتد هذا النقض إلى كل الدين وظهرت ما تسمى العلمانية وهي توازي الالحاد وجعلوا العلم والعقل هو ربهم وإن كان في العلم نظريات ما تزال قيد البحث ولكن أصبح عندهم أن العلم هو الحق وأن الدين والإيمان هو الباطل وأصبح العلماء الذين قتلو في محاكم التفتيش شهداء العلم ووصمة عار على الدين فظلم الدين بفعل هؤلاء الذين غيرو كتاب الله عبر الزمن وهؤلاء الذين قدسوا وأصلوا ماليس من الكتاب فعدوه من الكتاب
أما القرآن والمسلمون فقد فصلوا بين كلام الله الذي لايقبل الشك أبداً عن كلام البشر والمفسرين والعلماء والصحابة بل وحتى عن كلام رسول الله فكل مفصول مأصل من خلال علم السند وهذا القرآن الكريم لا يخالف الحقائق العلمية بل يثبتها ويصفها وصفاً بل ويحث الناس على التفكر والتأمل في قوانين الطبيعة والعلم والتي صممها وصنعها صانع خبير هو الله العلي القدير والذي ربطنا بحركة الكون من خلال مواقيت الصلاة التي لها علاقة وثيقة بعلم الفلك وحركة الكواكب التي وصفها الله في القرآن وعلماء المسلمين أثبتوا الحقلئق العلمية المذكورة في القرآن وطوروا العلوم وهم من نقلو العلم لأوربا عبر بوابة الأندلس ولم يكن منهم من يمنع علمه عن أحد كائناً من كان مؤمناً كان أو كافر
3- القرآن الكريم
هو أخر الكتب ومؤيد النبي ص ودليل نبوته المستمر الباقي المحفوظ لآخر الزمان وهو منبع تعاليم الاسلام وهو القوة الهائلة التي تخرج الناس من الظلمات غلى النور وهي القوة المستمرة الكامنة المنتظرة لمن يأتي فيطبقها وليس أن يتعلمها فحسب بل يطبقها لتحيا هذه الأمة وتقود الأمم الأخرى فتنشلها من الظلم والجهل إلى نور الله والحق والعدل
وهو الكتاب الذي تناوله العلماء بعلوم مختلفة انشئت ووظفت لخدمته من علم القراءات إلى التجويد إلى الرسم والتفسير والناسخ والمنسوخ وعلم إعجاز القرآن وعلم غريب القرآن
وهو كلام الله عزوجل الذي نقله جبريل الأمين إلى قلب خير المرسلين بطرق عديدة فأحياناً يتمثل رجلاً وأحيانا كصلصلة وهو أحياناً شديد متعب لا يقدر عليه إلا من اختاره الله
وهو الكتاب الذي لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها
وقد نزل القرآن الكريم خلال 23 سنة منجماً أي متتالياً مقسطاً أقساطاً وليس جملة واحدة وذلك لتثبيت الرسول ص ولإيجاد الصلة المستمرة بين الرسول وربه وليكون متابعاً لأحوال الرسول والمسلمين أولاً فأول حتى أتم الله هذا الشرع وقد ربى الله من خلاله أصحاب رسول الله ليكونوا خير أمة أخرجت للناس وليثبت الله من خلاله أن هذا الدين هو دين واقعي رفع أمة متخلفة متشرذمة تعيش في الصحراء لتصبح من أعظم الأمم مادامت متمسكة بدين الله
أما جمع القرآن فقد تم بحفظ كامل بمنة الله موثقاً كما لفظه الرسول ص ولا يوجد كتاب على وجه الأرض نال هذه الدقة في التوثيق حرفاً حرفاً وحركة حركة ومدة مدة وجمع القرآن له مراحل:
أولها في قلب رسولنا الكريم ص الذي كان أمياً لايقرأ ولا يكتب ولذلك كان يبذل كل الجهد في حفظه ص فكان تحت تأثير الوحي وحمله الثقيل يحرك به لسانه ليستذكره ويحفظه فلا يفرط منه شيئاً فطمأنه الله بأن عليه جمعه وحفظه وقرآنه فلا ينسى منه شيئاً حتى وصل إلينا كما هو وقد كان الرسول دائماً يستذكر القرآن ويطلب من أصحابه أن يقرؤوه عليه ويقرؤه عليهم ليتأكد من حفظه وحفظهم
وقد كن جبريل عليه السلام يراجعه معه كل سنة مرة وسنة وفاته راجعه معه مرتين
وقد حرص الصحابة عليهم السلام على حفظ القرآن في صدورهم وقد كتب بعضهم مقاطع كثيرة منه بوسائل بدائية كجريد النخل أو الصحائف أو الخشب ولكن حفظهم الأساسي لكتاب الله كان في صدورهم حتى قيل أنه كتاب لا يغسله ماء لأنه محفوظ في الصدور وهو محفوظ على هذه الصورة حتى أخر الدنيا وقد كان الصحابة يحفظونه وبتدارسونه حتى كان يسمع لهم دوي في الليل
القرآن أنزل على سبعة أو عشر روايات صحيحة كلها نزل بها جبريل وكلها متواترة عن رسول الله نقلها الصحابة من صدورهم وقد كانوا أحرص على حمل القرآن في صدورهم مضبوطاً ودقيقاً كلمة كلمة وحرفاً حرفاً حالهم حال رسول الله الذي أمر أصحابه ألا يكتبوا عنه شيئاً إلا القرآن فمنعهم عن كتابة الحديث حتى لا يختلط بالقرآن. ولم يقبل في البداية أبو بكر بجمعه وقد استمر عمر بمراجعته حتى وافق فلما أمر زيداً بذلك خاف أن تكون بدعة أيضاً فراجعه عمر حتى شرح قلبه لذلك وحمل هذه المهمة وقد كان القرآن مكتوباً متفرقاً على العظام وأوراق النخل فجمعه زيد بن ثابت على صحف مجموعة تؤخذ من صدور الرجال ثم من الرقع المتفرقة ولا يثبت أية حتى يشهد شاهدان على الأقل من الصحابة على صحتها كما نقلت عن النبي ص إلا أية سورة التوبة” لقد جاءكم رسول من انفسكم ...” لم يشهد إلى خزيمة بن ثابت الذي تكفي شهادته لقصته مع رسول الله ص في بيع الفرس حيث قال ص أن من شهد له خزيمة فقد كفاه. وبذلك جمع القرآن حرفاً حرفاً على هذه الرقع التي جمعها زيد بن ثابت
ثم في زمن عثمان بن عفان أتاه حذيفة بن اليمان يخبره أن الصحابة والمسلمين يقرؤون على حروف مختلفة يكذب بعضهم بعضاً بسبب أن بعضهم لم يسمع الرواية التي يحفظها بعض ولا يجدون ما يرجعون إليه فلا يعرف اختلاف القراءات من الخطأ في الحفظ فأمر عثمان بزيد بن ثابت والصحف التي كتبها والتي كانت محفوظة عند حفصة رضي لله عنها وأمر أن تعاد كتابة هذه الصحف بوجود ثلاثة من قريش لان القرآن نزل بلسانهم فكتب سيدنا زيد سبع نسخ بكتابة تجمع السبع قراءات فمثلاً كلمة فتبينوا عندما تكتب بلا نقاط يمكن أن تقرأ فتثبتوا في قراءة أخرى فجمع ما سمي بالرسم العثماني الذي يرسم به القرآن حتى اليوم لا يغيره أحد فجمع هذا الرسم كل القراءات وكتب في سبع نسخ وزعت على الولايات الاسلامية لتكون المرجع الذي يعودون إليه عند الاختلاف ثم لتظهر بعد ذلك في العصور اللاحقة ضوابط التشكيل والتنقيط التي ضبطت القرآن وضمنت صحته حتى يومنا هذا لنرى جميع المصاحف بالرسم العثماني وعلى القراءات المختلفة يختلف فيها التشكيل والتنقيط فقط. فسبحان الله الذي حفظ كتابه بجهود متلاحقة من السلف الذين سبقونا رضي الله عنهم وارضاهم.
والقرآن هو كتاب عظيم لا بد لكل مسلم أن يجعل لنفسه منه ورداً يومياً لا يدعه بحال من الأحول كما لا يدعنفسه أو طعامه أو شرابه أو نوم قل هذا الورد أو كثر المهم أن يقرأه المرء ويتدبره ليكون القرآن أداة التربية للمرء ومعه ليل نهار
تربية القرآن للصحابة
القرآن هوملاذ كل مؤمن وهومناط نصر هذه الأمة وما تمسكت به الأمة إلا ونهض بها وسلمها قيادة الأمم وما تركته إلا وابتلاها الله بالمحن والشدائد والأعداء - يقول الأمام الشافعي في كتابه الرسالة: وما نزلت باحد من اهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها فحين نقرأ القرآن الكريم نحن نقرأ روحاً من أمر الله كما في الأية وهو نورينير دربنا ويهدينا لما فيه خيرنا وخير العالمين
منذ أن بدأ القرآن يتنزل وهو يلفت المؤمنين إلى أن الله معهم في كل زمان ومكان يعرف سكناتهم وسرهم وعلاينتهم فعلم ربنا عزوجل يحيط بكل شاردة وواردة في هذا الكون وهذا كان شعور صحابة رسول الله ص كانوا يشعرون أن الله معهم في كل حين وكل أية تتنزل تدخل قلوبهم وكيانهم لتستقر هناك هذا الشعور لم يكن ليغادر الصحابة فإذا غاب عنه قليلاً جاء رسول الله ص يخبره أنه منافق
ولولا نصر الله لما انتصرت الأمة فهو يعلمهم على بعد التوكل على الاستعداد بما قدرتم ولكن قبل كل ذلك الاستعداد بقوة الإيمان ومن الأمثلة الموردة في القرآن تربية للمؤمنين وللأمة التي لها أن تتسلم زمام الأمم كما حصل مع سيدنا موسى عندما خاف هو وهارون عليهما السلام أن يبطش فرعون فخاطبه الله وقال لهما ( لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى) وكذلك عندما أدركهم فرعون هووقومه في ساحل البحر وهم شرذمة قليلة البحر أمامهم والعدو وراءهم فقال قومه إنا مدركون فقال موسى عليه السلام كلا إن معي ربي سيهدين وبتربية القرآن لهم كانوا يعلمون عندما خاضوا بدر أن الله سينصرهم ففي بدر بعد أن صمد المسلمون بعدتهم القليلة وقد خرجوا غير مستعدين للحرب حيث إنما خرجوا من أجل القافلة ثم صمودا بثبات وإيمان شديد بنصر الله جاءهم الله بنصره وأيدهم ونصرهم وخذل عدوهم ثم بعد أن انتصروا ينزل القرآن بعد ذلك فيخبرهم بعجزهم وأنهم لم يفعلوا شيئاً إنما الفضل كله لله الفعال الخلاق (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ) فعلينا القيام لأداء الواجب ولا علينا من النتائج بل النتائج لله عزوجل.
ومن تربية القرآن لصحابة رسول الله ص الذين هم خير أمة أخرجت للناس من تربيتهم ما يسمى أدب الوقت فكل عبد يكون في كل لحظة من اوقاته يكون على حال من الأحوال عليه أن يتعامل معه بأدب مستوحى من كتاب الله وهذا الوقت كما فصل العلماء لا يخرج عن أربع أحوال فهو إما في طاعة لله عزوجل وإما أن يكون في معصية زل بها وأغواه بها الشيطان وإما أن يكون في مصيبة حلت فيه في نفسه أو ماله أو أهله أو بدنه ينتظر فرج الله فيها وإما يكون في نعمة يتلذذ فيها ويتقلب فيها
فأدب الطاعة هو الإيمان بأن هذه الطاعة فضل من الله عزوجل فلا يجوز له أن يذل ويتكبر بها على عباد الله فلا فضل له فيها ولا اختصاص بل الفضل لله الذي يسر له هذه الطاعة وقد كان السلف شديدي الخوف أن لا تتقبل طاعاتهم خشية أن يشوبها شيء من تكبر أو تعال أو رياء فلا يتقبلها الله ومن أدب الطاعة أن لا يعير العاصي بذنبه فقد بشر الله أن ما عير شخص شخصاً بمعصية إلا وابتلاه الله بما عير به بل يجب عليه أن يشفق عليه وينصح له لا ان يعيره
وأدب المعصية التي ينغمس فيها المرء ويزله الشيطان بها فهي قد تكونسبيلاً إلى الكفر إن تراكمت المعاصي ووصل صاحبها حدالمجاهرة بها فالمجاهرة بالمعصية تحد لله عزوجل بينما الاستتار وطلب العفو والتوبة قد يكون سبيلاً للتقرب من الله وقد تكون التوبة سبباً في أن يحوز المؤمن أعلى الدرجات فقد أمر الله خلقه جميعاً بالتوبة بمافي ذلك الرسل والأنبياء فقد روي عن رسول الله ص أنه يتوب ويستغفر في اليوم أكثر من سبعين مرة فهل ينجو أحد منا من وساوس الشيطان في عباداتنا وطاعاتنا أيضاً فيستدعي ذلك حتى من العابد الطائع حتى يغفر الله له ما ساورته به نفسه من رياء وحب مدح فمثلاً أمرنا رسول الله ص بالاستغفار بعد كل صلاة وأمرنا ربنا أن بعد الإفاضة من عرفات بالاستغفار (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله) فلا بد للعاصي أن يتوب ويقف بين يدي الله منكسراً مذلولاً فقد تكون هذه التوبة والوقفة بين يدي الله سبباً في أن ينال العبد أعلى المنازل فكما قال ابن عطاء الله السكندري (رحمه الله) رب معصية اورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة اورثت عزاً واستكباراً.
أدب المحنة هوأن يعلم أن الله عزوجل إنما ابتلاه ليمتحنه ويختبره أصابر أم متضجر متبرم وجزاء الصبر كما يقول تعالى: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب فهو متروك لله كل بقدر صبره وهذا لايعني ترك الأسباب والاستسلام للمحنة بل لابد من الأخذ بالاسباب فقد قيل لعمر عندما رجع عن الشام عندما سمع عن الطاعون قيل له أتهرب من قدر الله قال نعم أهرب من قضاء الله إلى قضاء الله ولكن الرضى بالقضاء والقدر وراء ذلك فهو أمر القلب فظاهر المرء متعبد بدفع الأقدار بالأقدار أما القلب فمستسلم شاكر لكل حال من الأحوال وثانياً على المؤمن أن يعلم أن أي محنة أو مصيبة مهما قلت أو كبرت فهي بذنب قد ارتكبه صاحبها فلايصاب بمؤمن بمصيبة إلا بذنب ارتكبه فواجبه التوبة والانكسار والتذلل ليغفر الله له ويرحمه فلا بد من الأدب مع الله بطلب الصفح منه والصبر عند كل مصيبة يقول سيدنا عمر مأصبتني مصيبة إلا رايت لله فيها علي أربع نعم أن كانت في الدنيا ولم تكن في الدين ثم أنها كانت بهذا القدر ولم تكن أكثر من ذلك وأن الله تعالى يلهمني الصبر عليها وأن الله تعالى يثيبني على ماصبرني عليه
أدب النعمة هو أولاً الشكر وشكر اللسان لايكفي فالله ربى الصحابة في القرآن بقوله اعملوا آل داود شكراً وقد ترجم رسول الله ص ذلك بالعبادة حيث قام الليل حتى تفطرت قدماه فعندما سئل عن أن الله غفر الله ماتقدم من ذنبه وما تاخر قال ص أفلا أكون عبداً شكوراً . وعلى المرء أن يحذر كل الحذر حتى لا تتحول النعمة إلى نقمة في الدار الأخرة كما كان حال قارون الذي قال إنما أوتيته على علم عندي فخسف الله به وبداره الأرض بل أن يكون حال المرء كحال سليمان عليه السلام عندما رأى عرش بلقيس مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر فيجب دائماً أن نستشعر نعم الله علينا صغرت أو كبرت يكفينا نعمة النفس الذي إن أراد الله له أن يقف لمتنا ولا نملك قوة ولا حول فحقنا أن نشعر بالذل والشكر لله تعالى على كل نعمه صغرت أو كبرت فعندما أوصى مخيرق لرسول الله بستانه جعله وقفاً وعندما انتصر في غزوة هوازن كان نصيب ص وادياً بين جبلين مليئاً بالنعم فقال له صفوان بن أمية حديث الإسلام وهو صاحب أموال وحسب قال له أهذا كله لك يا رسول الله قال له ص أيعجبك فهو لك تخلى عنه ص بلحظة فعاد صفوان بهذه النعم إلى مكة يقول والله لقد أتيتكم من عند من لا يخشى الفقر أبداً فالنعم المادية يجب ألا تستولي على القلب بل يكون الله وطاعته مايشغلنا لا أن نسعى وراء الدنيا بكليتنا وثانياً أن نعلم أن النعمة هي امتحان للشكر أم الجحد ولا تدل من قريب ولا من بعيد على تكريم الله للعبد والأمثلة في القرآن التي تربي على هذا المفهوم كثيرة كصاحب الجنتين الذي كفر بالساعة وظنه أن الجنتين تكريم فإن مات فله خير مثلهما في الآخرة. وهذا هو الظن المهلك فالله ينعم على كل خلقه أما النعمة الحقيقية التي فيها التكريم فهي نعمة الإيمان ونعمة الأستخلاف في الأرض فأكثر الأنبياء كانوا فقراء مساكين أذلاء بين يدي الله سبحانه وتعالى فعندما سأل سيدنا ابراهيم وقد خصه بمنزلة عليا ساله ومن ذريتي فقال تعالى لاينال عهدي الظالمين فلا نسب ولاحسب بل هي الطاعات والعبادة هي من تنيل المؤمنين نعمة رضا الله وجنته أما الكافرون فيمتعهم الله قليلاً ثم مأواهم النار والعذاب فهذه الدنيا ليست دار نعيم بل هي دار ابتلاء واختباروهكذا كان فهم الصحابة فقد ملكوا الدنيا ولم تملكهم فسيدنا عثمان في سنوات الفقر لم يبع القافلة بل وزعها على الفقراء وكان رغم غناه يكثر الصيام ليشعر بالفقراء
علم التفسير
القرآن كتاب الله وكلامه وكل مسلم يؤمن ويجزم أن هذا القرآن هو الحق الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه لكن تفسير القرآن يختلف بين عالم وآخر ومذهب وآخرواتجاه وآخر ولكن الاختلاف في فهم المعاني وليس في أي أية من آيات القرآن بالنص واختلاف المعاني مرده أن الله عزوجل اختار لغة العرب لهذا القرآن العظيم وهي لغة تحتمل المعاني المختلفة والقرآن لذلك حمّال أوجه وهو أمر قصده الله وهنا يجب أن نعلم أن ليس كل شخص يفسر القرآن على هواه بل التفسير له ضوابط تبدأ بالاتقان العام والعلم الغزير باللغة العربية واساليبها وعلومها ونحوها وصرفها وقواعدها وأفضل تفسير للقرآن هو تفسير القرآن بالقرآن أي ربط الآيات ببعضها والنظر إليه بالإجمال فيكون وحدة مترابطة فإذا وجدت أية بفسر اية لا ينبغي للمفسر ان يفسر بغيرها ثم بعد ذلك يكون تفسير رسول الله ص لآيات القرآن فالله تعالى قال” وانزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل عليهم” فخير مفسر للقرآن هو رسول الله ص ثم بعد ذلك يأتي تفسير الصحابة الذين كانوا يحييون مع القرآن والتشريع أية أية ولغتهم لغة القرآن وعيشهم وحياتهم بالقرآن ثم بعد كل ذلك يأتي التفسير بالرأي وهو تفسير خطر يجب ان لا يقدم عليه إلا عالم متمكن بعلوم اللغة والشريعة فالله عزوجل يقول “قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون ” فالقول على الله بغير علم اثم خطير قرنه سبحانه وتعالى مع الشرك والفواحش فلا بد من الاستعداد بالعلم قبل أن يتجرأ أحد على التفسير وقد قال ص ومن قال في القرىن برأييه فليبتوأ مقعده من النار. فيجب أن نحذر مماانتشر اليوم من مايطرح من محاولات تفسير القرآن ضمن باب الإعجاز العلمي فلا نفسر القرآن على هوانا ليتوافق مع نظريات علمية لم تثبت بعد ظانين أننا إنما نعزز القرآن فالقرآن عزيز لا حاجة له لذلك ولكن إن كان قانوناً علمياً لامجال للشك فيه فإننا إن وجدنا اية تؤيدها فلا بأس أما أن نحمل القرآن نا لم يحمل من أجل نظرية فلا حاجة بل إننا قد نضر حيث لنا لذلك .وقد قال أحد الكتاب الاسلاميين إذا تعارضت الحقيقة التاريخة مع اية من القرآن فإننا نضرب بهذه الحقيقة عرض الحائط فلما وقعت هذه الكلمة بأذن الشيخ مصطفى صبري شيخ الدولة العثمانية في زمن السلطان عبد الحميد قال هذا من اقرب الضالين إلى الهدى فجعل في قوله ضلالاً لانه سماها حقيقة فوجب ان يقول معلومة تاريخية لا حقيقة تاريخية فهي ليست حقيقة إن تعارضت مع القرآن
الإيمان بالرسل
مقدمة عن الاستخلاف
لقد أرسل الله الرسل وأوجب على البشر اتباعهم وذلك أن البشر يتميزون بخاصية الإرادة الحرة المطلقة والاختيار الحر دون إكراه فقد هدانا الله إلى النجدين الحير والشر وبين لنا نهاية وعواقب كلا الطريقين من خلال الرسل وميزة ثانية جعلها الله لنا هي أنه خلقنا على أحسن تقويم من حيث امكانية الحركة واستخدام ايدينا وأعضاءنا لعمل أشياء كثيرة ودقيقة من صناعات وحرف لاتقدر الكائنات الأخرى عليها وأيضاً نعمة العقل والقدرة على التعلم واستحواذ العلم فميزنا الله بالعلم لنكون قادرين من خلال العلم الذي يعلمنا إياه الله والقدرة على الاختراع أن نقوم بمهمة الاستخلاف في الأرض ومن نعم الله أن سخر لنا باقي المخلوقات كل هذه النعم التي أنعمها الله علينا من تقويم وإرادة حرة وعلم وتسخير كلها لنعلم أننا مسؤولون عن هذه النعم مسؤولية نقف بين يدي الله لنسأل عنها وكل هذه الميزات ليهيئنا الله للاستخلاف في الأرض فنكون خليفة له في الأرض فنعمرها ومن أوضح معاني الخليفة أننا خليفة ولسنا مالكين أصليين بل نحن مندوبون لنعمر الأرض دون أن نملكها فالملك لله وحده بينما تزول النعم عن كل عبد بالموت فلا يأخذ منه شيئاً وكذلك على المستخلف أن يعمل في المال والملك بأمر المالك فالمتبعون لهم الأجر من الله مالك الملك أما الجاحدون والكافرون لأنعم الله فليس لهم إلى العقاب وجهنم وبئس المصير ولنعلم أوامر الله و للقيام بما يطلبه منا فنعمر أرضه التي استخلفنا فيها وأوكل لنا إعمارها كما يريد كانت الرسل لتحدد لنا مناهج العمل وأوامر الله
صفات الرسل
مدعي الرسالة لا بد أن يكون له صفات إن لم تتوفر فيه ردت دعوته وعلم كذبه
1- الصفات الخَلقية والجسدية
اختار الله الرسل من بين بني البشر وهم خيرة بيني البشر وصفوتهم وقد خصهم الله بخصائص خَلقيةجسدية لم يتح لنا من العلم عنها الكثير لكن هناك روايات كثيرة عن صفات الرسول ص تعطينا فكرة عن باقي الأنبياء فقد كان ص جميل الوجه مضيئه سريع الخطا يلهث وراءه الصحابة إن مشي وكان أبيض لا بالطويل ولا بالقصير شجاعاً جلداً ظهره كانه سبيكة فضة عظيم الهامة أغر ابلج أهدب الأجفار عرقه كاللؤلؤ كفه ناعم وريحه طيب وكان ص فخماً مفخماً متلئلئ الوجه رجل الشعر أزهر اللون واسع الجبين أزج الحواجب بينها عرق يدره الغضب أبلج أدعج كث اللحية سهل الخدين ضليع الفم مفلج الأسنان أشنب وكان معتدل القامة سواء الصدر والبطن طويل الزندين رحب الراحة وقد نقلت كتب كثيرة في علم الشمائل ككتاب الشمائل المحمدية للترمذي أو الشفاء للقاضي عياض
والرسل بشكل عام لابد أن يكون لهم قوة تفوق البشر ليكونوا مهيئين لنزول الوحي وهو أمر عظيم لا يتحمل أي من البشر إلا من اختصه الله به وقد وصف عظم نزول الوحي حيث كان الرسوليرهق أيما إرهاق وأحوال نزول الوحي موصوفة في كثير من الأحاديث وعظمتها وشدتها تحتاج قوة لايملكها إلى الرسل
2- الصدق
وهو أن يكون الظاهر مثل الباطن وأوله أن يكون الصادق صادقاً مع نفسه ونتحدث عن الصدق عند رسول الله محمد ص كمثال عن صدق الرسل ذلك أنه لم تصل لنا الأخبار المؤكدة عن أحد في التاريخ كما أرخ ووثق كل ما نقل عن رسول الله ص ودلالات صدق رسول الله كثيرة وشهادات أعداء رسول الله ص على صدقه تسبق شهادة أصحابه كأبي سفيان عندما سأله هرقل وأبو جهل كما قال للمغيرة بن شعبة وكما قال أيضاً في وجه رسول الله: اننا لانكذبك ولكن نكذب بماجئت به.وأصحاب رسول الله ص ليسوا أغبياء رضي الله عنهم معاذ الله بل هم من أفطن الناس وماكانوا ليتبعونه ويضحوا في سبيله بأرواحهم وأموالهم لو لاحظوا كذبه ولو بأصغر الأشياء بل هم موقنون بصدقه متبعين له بإيمان وتصديق قوي وقد كان الرسول ص حتى عند المزاح لا يكذب فقد جاءه أعرابي يطلب منه مركوباً فقال له سنحمل على ولد ناقة فقال وماذا أفعل بولد الناقة فقال له وهل تلد النوق إلا النوق فمازحه وقصده ناقة كاملة ولكنها لا بد ولدت من ناقة فهو ص لم يكن جامداً صلباً فهو يداعبهم ولكنه لا يقول إلا حقاً فهي صفة الأنبياء الصدق كجزء من تكوينهم
3- الأمانة
وكذلك نثبت فيها ما ورد عن رسول الله كمثال ومرجعية لكل الرسل لأنه لم يوثق لاحد في تاريخ البشرية كما وثق عنه وأول الأمانات أمانة الرسالة والعبادة فقد حمل الانسان الأمانة وخلق للعبادة وكل تصرف أو عمل يمكن أن يكون عبادة أو معصية وقد كان رسول الله عابداً في كل الأوقات وأجلاها العبوديات المحضة واولها الصلاة وقد كان الرسول يقوم في الصلاة حتى تتفطر قدماه وكان يسجد بقدر ما يقرأ المرء 50 أية وفي الصوم كان يصوم حتى يقول الصحابة لا يفطر وكان دائم الاستغفار والذكر والزهد والانفاق وكان بالغ التواضع لم يبلغ أحد حده في التواضع
وكذلك الرسل يحملون أمانة تأدية أوامر الله على خير ما ينبغي ومن الأوامر العظيمة التي أدى رسول الله ص أمانة تأديتها الجهاد الذي أمر الله به. ولم يجاهد أحد كما جاهد رسول الله ص فمثلاً كان رسول الله ص خلال العشر سنوات في المدينة المنورة 19 غزوة وقد كان علي ر يقول أنه إذا حمي وطيس المعارك واحمرت حدق الناس احتموا برسول الله ومعروف أن علي من اشجع شجعان والمسلمين وروايات شجاعة رسول الله ص معروفة فهو أخر من صمد في غزوة أحد وعندما عادوا إلى المدينة أمرهم الرسول بالعودة لملاحقة جيش قريش العائد إلى مكة فعندما علم المشركون بذلك ألقى الله الخوف في قلوبهم فأسرعوا لمكة فارين وعاد ص إلى المدينة منتصراً وفي حنين فر المسلمين وبقي ص مع عشرة فقط من المسلمين يقاتل ويقول أنا الرسول لا كذب أنا ابن عبد المطلب حتى عاد المسلمون فانتصروا وقد روى سيدنا أنس بن مالك أنرسول الله ص كان أشجع الناس فقد فزع يوماً أهل المدينة فخرج منهم فئة بجهة الصوت فوجدوا رسول الله عائداً من جهة الصوت قائلاً لن تراعوا فأحد من الخلق لم يمتثل لأوامر الله بكل أمانة في الجهاد وغيره فالأنبياء بذلك قدوة للمسلمين جميعاً في الامتثال والأمانة في تنفيذ أوامر الله
4- العصمة
وهي حفظ الله للأنبياء فلا يقعون بمعصية بحال من الأحوال ويستحيل كذلك أن ينسوا ما أمرهم الله بتبليغه وهذه العصمة مثبتتة لكل الأنبياء وهي عقيدة ثابتة من لا يؤمن بها فقد عنصراً من عناصر الإيمان فالرسل هم القدوة في كل أفعالهم وأقوالهم يتبعون بكل ماقالوا فلا يمكن أن يتبعهم الناس في معصية أوخطأ فليحذر المسلمون مما تسرب من أقوال الاسرائيليات لكتب المسلمين من بعض الأقاصيص التي تنفي هذه العصمة فكل ماناقض العصمة أو كل ما أقره الكتاب والسنة هو وضع وافتراء والصحيح عندهم هو فقط ما صح عندنا أما ما لم يرد فيه تصديق أو تكذيب فما حدثنا به أهل الكتاب فلا نصدقهم ولا نكذبهم ولنا أن نقول أمنا بالله وكتبه ورسله حسب الحديث حول هذا الموضوع
وبناء على ذلك فكل ما ورد عن ذنوب اقترفها الانبياء مماورد في كتب التفسير مما تسرب في الاسرائيليات مما يخالف مبدأ العصمة فهو الخطأ ولا شك ومثال ذلك قصة داوود عليه السلام في قصة الحكم في قضية النعاج والقصة هي أن ملكين أرسلهما الله ليعرضا عليه القضية امتحاناً لعدم التعجل في الحكم حيث أجاب سيدنا داوود دون سماع حجة الخصم الثاني فعلمه الله بهذه القصة أدباً من أداب القضاء وهي ألا يقضي قبل سماع الحجة من الاثنين وقد علم داوود خطأه فتاب وسجد أما بني اسرائيل لعداوتهم للرسول قالوا إن سيدنا داوود له 99 امرأة وكان لأحد قواده امرأة أحبها سيدنا داوود فبعث قائده في حرب طاحنة فلما قتل تزوج زوجته وهو البهتان والكذب على أنبياء الله فحاشا لنبي جليل مثل داوود أن تكون به مثل هذه الدناءة والعياذ لله فالأنبياء معصومون عن كل خطيئة أو شهوة دنيئة ومكر شرير
5- صفات أخرى
الرسل كلهم لهم صفات ثابتة تميزهم ولا يصح الإيمان إلا بالإيمان بهذه الصفات للرسل إثباتاً لها ميزات خصهم الله بها ومن صفات الأنبياء التي لا بد من تحققها ولا بد من وجودها ومن هذه الصفات وجوب التبليغ فما بعث الله الأنبياء إلا لذلك فالنبي يبذل كل امكانياته لتحقيق هذه الصفة فرسولنا الكريم لازمته هذه الصفة من اليوم الأول للبعثة مستعملاً كل ما أتاه الله من وسائل باذلاً كل جهده وكل ما أمكنه من قصد للأسواق وجمع للناس وقد قال له أبو لهب تباً لك ألهذا جمعتنا وذهابه لكل القبائل المحيطة بمكة وللطائف ومحاورته لأعدائه وهجرته وبعثه بالرسائل إلى الملوك والغزوات التي كان يقودها بنفسه في سبيل الله ورسالته وفي كتاب الله الكثير من قصص الأنبياء وجهودهم العظيمة المبذولة في سبيل الله وفي سبيل إيصال رسالته. وصفة أخرى هي رجاحة العقل والفطنة التي تمكن الأنبياء من مقارعة ذوي العقول واستخدام فطانتهم لإقناع الناس بتغيير معتقداتهم وعاداتهم وحياتهم من الحق للباطل وأمثلة ذلك من السنة كثيرة فمثلاً جاءت قريش إلى الحصين وهو من أفطن العرب آنذاك تطلب منه بمفاوضة محمد ص فيدخل الحصين على رسول الله وعنده شباب من المسلمين منهم ابن الحصين فسأله الحصين ألا تكف عن سب ألهتنا فسأله ص كم تعبد من إله فقال سبعة في الأرض وواحداً في السماء قال فإذا مسك الضر فمن تدعو قال الذي في السماء قال فكيف تشرك به بدل أن تشكره ثم في نهاية القصة يسلم الحصين وكذلك الشاب الذي أتاه يريده أن يحل له الزنا فناقشه وهادنه ثم مسح على صدره فخرج معافاً مما ابتلاه الله به من حب الزنا وكذلك بعد غزوة الخندق طلب قوم من الأوس من رسول الله أن لا يبطش ببني قريظة لأنهم كانو حلفاءهم في الجاهلية فقال ص أترضون حكم رجل منكم فقالو نعم فحكم فيهم سعد بن معاذ فحكم معاذ بالبطش بهم كما ينبغي أن يكون الأمر فاستطاع رسول الله ص أن يحق الحق جون أن يغضبهم فتثار الفتنة ويلعب الشيطان بقلب أحد منهم
الإيمان باليوم الآخر
وهومن أركان الإيمان السمعية وهي الأمور التي يجب بها الإيمان بالغيب وإن لم يقم عليها دليل عقلي لأنها مبنية على الإيمان بالله فمن آمن بالله يؤمن بكل ما يخبرنا به عبر رسله وكتبه فهو الإيمان بقول الله عزوجل الذي لاينبغي أن يساور المؤمن شك بصدقه فهو ربنا الحق وخبره حق لاشك فيه ولاريب
والإيمان باليوم الآخر يجسد الإيمان بالغيب ويفرق بين من يؤمن بالغيب وبين من لا يؤمن فالمرء محكوم بالغيب ومغيب عنه أشياء كثيرة فهو لايملك لا المعرفة ولا التحكم في كثير من الأمور منها شكله ومن هم أبويه وأين أو متى يولد و متى أو أين يموت
والإيمان باليوم الآخر إيمان بالعدالة فكم من ناس ماتوا مظلومين أو دون أن يعرفوا من آذاهم من سرقة أو اعتداء وفر المعتدي بذنبه فكيف تكون العدالة إذا لم يكن هناك يوم فصل يعرض كل امرئ فيه على حاكم عادل لا يضيع عنده شيء
وليعلم كل امرئ أن كل ما يفعله ضمن مسيرة حياته كله مسجل فكل عمل صالح يجده أمامه يوم الحساب وكل عمل سيء يجده أمامه ويقيم الله به عليه الحجة ويدفعنا ذلك في عملنا غي إعمار هذه الدنيا إلى مراقبة الله فيكون إعمارالأرض والتقدم العلمي والعمل الحقيقي الذي أمرنا الله به وسخر لنا سائر خلقه لنقوم بهذه المهمة في سبيل الله وبهدي شريعة الله يقول تعالى “وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ” وحين كان الأمر كذلك وصلت الحضارة الاسلامية مشارق الأرض ومغاربها وفتح الناس لها صدورهم وقلوبهم قبل بلادهم وبلغ المسلمون بعلمهم واكتشافاتهم مصافي التقدم في الأمم مع المحافظة على القيم والأخلاق أما عندما تخلى الغرب عن الإيمان بالله واليوم الآخر والحساب تحولوا إلى وحوش متنافسة وانحلت الأخلاق والقيم وتحول الناس إلى الجري وراء الشهوات واللذات الدنيوية على حساب كل شيء
وبانتفاء الإيمان باليوم الآخر يتأثر الفرد الذي يصبح رهيناً للسعادة المرتبطة بالملذات فإن خفت النعم أصابته التعاسة فيصبح يخشى الفقر والمرض والموت ونرى اليوم عدد المنتحرين في الغرب ممن يفقدون أعمالهم أو يخسرون أحبابهم فتتحول حياتهم جحيماً لا يطاق بينما لا تنال سعادة الدنيا والآخرة إلا بتقوى الله والإيمان به وباليوم الأخر وبانتفاء الإيمان باليوم الآخر يتأثر المجتمع الذي يتحول أفراده من إخوة يحب بعضهم بعضاً ويساعد بعضهم بعضاً إلى أعداء متنافسين هم كل واحد منهم سعادته ومنفعته الشخصية وبتحول المجتمع إلى صراع طبقي بين الفقراء الحاقدين على الأغنياء والأغنياء الذين يزيدهم غناهم جشعاً واستعباداً للناس
ويشمل الإيمان باليوم الأخر:
1- الإيمان بالقبر وعذاب القبر بعد الموت
القبر هو أول منازل الآخرة وقد كان السلف يبكون كلما وقفوا على القبور لعلمهم حسب قول الصادق الأمين أنه أول منازل الآخرة من نجا منه فما بعده خير منه ومن لم ينج منه فما بعده شر. والقبر بوابته الموت وهو الحق الذي كتب علينا جميعاً ومن لم يتعظ بذكر الموت فهو لاه عنه يلهيه الأمل ويجب أن نعلم أن القبر إنما قد يكون روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار وقد قال ص الموت القيامة فمن مات قامت قيامته وفي قبره يعرف المرء مصيره وكم استعاذ ص من عذاب القبر وأحاديثه ص عن القبر كثيرة ولفهم عذاب القبر يجب أن نعلم أن الروح هي الانسان فهي التي ترى بعينيه فإن خرجت الروح فقد الجسم وظائفه وعذاب القبر إنما يقع على الروح التي تشرف على الجسد ومثال ذلك إحساسك بالألم لو حلمت في منامك بعذاب يصيبك وإن كنت على ريش النعام نائماً ففي منهج أهل السنة أنه العذاب والنعيم إنما يقع على الروح والجسد والوقوف على القبول وزيارتها ينبغي أن يكون لتذكر أهوال الموت وعذاب القبر وكذلك ينتفع ساكن القبر بالزيارة وذكر الله فلعلها تخفف عنه العذاب. ولا بد لكل مؤمن أن يستعد لملاقاة الموت الذي ندرك بعقلنا إدراكاً كاملاً أننا بالغوه ولكن عواكفنا وخوفنا منه ينسينا إياه ويجعلنا لا نذكره وينغمس كل في هذه الدنيا ناسين أو متناسين الموت والحساب ويستمر انغماسنا في الدنيا ونقع فريسة للشيطان والشهوات وحطام الدنيا فترانا متعلقين بحب الدنيا نخاف مفارقتها كمن يفارق ما يحب إن أحدنا ليحزن على فراق كوخ إذا أجبر على الخروج منه فكيف بمن انغمس في النعم والمزايا والترفيهات والسيارات ولاأموال والقصور كلها كلما عظمت ازداد تعلقنا بها وننسى لحظة الموت التي سنفارق فيها كل ما جنينا وملكنا فأما من زهد بهذه الدنيا كان تسلله منها إلى الموت سهلاً وكان فرحه بلقاء ربه أوسع ولكي نصل إلى هذه المرحلة لا بد أن نبقي قلوبنا معلقة بالله ومهما تمتعنا لابد أن نعلم أن الرازق والمالك هو الله ويمكنه أن يحرمنا إياها متى شاءولتذكر ذلك لا بد من كثرة الإنفاق لقوله تعالى لن نالوا البرحتى تنفقوا مما تحبون فلصدقات ينقلها المرء من الدنيا إلى الآخرة فكلما تخففت في الدنيا وأثمرت في الآخرة كان خيراً لك. وكلما فعلت الآثام وأكلت الحرام فقد فرضت على نفسك العذاب والهلاك في الآخرة فليستعد كل لأخراه فالأجل قصير مهما طال وعذاب القبر واقع ومنكر ونكير قادمان ليسألا كل امرئ عما أسلف وقدم لنفسه وبعد الموت يقبع كل في قبره منتظراً قيام الساعة فإما أن يقضيها في نعيم منتظراً نعيم الآخرة وإما في ن
2- القيامة والحشر
بعد أن تستوفي علاماتها ويحين أجلها تكون أخر علاماتها نفخة الصور لصعق كل من في السموات والأرض ثم يبدأ النشر ليخرج كل من قبره إلى يوم الحشر وحكمة الله أن لاتزول هذه الحياة وندفن ثم لا نبعث وذلك أنه في هذه الحياة الدنيا يحصل ظلم كثير ويموت الظالم والمظلوم دون أن يؤخذ حق المظلوم من الظالم ولذلك لا بد من الي يوم بعث والوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى في يوم الفصل والحكم يومئذ لله ولا يغني مولى عن مولى شيئاً ولا يفيد عبيد الله في ذلك اليوم لامال ولا جاه ولا أتباع ولا أنصار ولا أتباع بل يقف الجميع أمام رب العزة مالك الملك الذي يقول في سورة الكهف
وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا
وكثير وكثير من الآيات التي تصف أهوال الحشر الذي هو يوم ينسي المرء كل لذائذه وملذاته ومعاصيه وكأن دنياه مرت كعشرة دقائق من الملذات والخمور والليالي الحمراء وكثير كثير من المفاسد يكون مصرها أن انتهت ليحل محلها عذاب مقيم إلى يوم القيامة في ذلك اليوم العظيم المحدد وقته بميقات لا يتأخر ولا يتقدم الذي تدك فيه الأرض دكة واحدة ويأتي الناس أفواجاً وتفتح السماء وتسير الجبال ويأتي الناس داخرين والجبال تمر مر السحاب
3- الحساب
سيترك كل امرئ كل شيء ورائه ويحشر الناس جميعاً دون أن يترك منهم أحد وثم يحاسب الجميع عن كل ما عمل فقد قال ص لا تزول قدما عبد يوم القيامة قبل أن يسأل عن أربع عن عمره فيما افناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من اين اكتسبه وأين أنفقه فمن أركان الإيمان أن يعلم المرء أنه مسؤول عن كل نعمة وكل عضو منحه الله إياه والكافر لا يظلم والمؤمن يتجاوز الله برحمته عن بعض زلاته وقد قال ص من نوقش الحساب عذب فسألته سيدتنا عائشة وقد قال تعالى ومن أوتي كتابه بيمنيه كان حسابه يسيرا فقال ص أن ذلك العرض أما من يحاسب يوم القيامة فقد هلك وقد شرح ص أنه يدنى المؤمن من ربه يوم القيامة فيضع عليه كنفه أي رحمته فيقرره بذنوبه فيقول عرفت يارب عرفت فيقول الله عزوجل لقد سترتها عليك في الدنيا وأغفرها لك اليوم أما المنافقين والكفار فينادى بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين
موقف الحساب يوم القيامة هو موقف محاكمة بين يدي الله وهو حساب عسير ولا بد فيه من شهود والعبيد لا يقدرون جلال الله فقد يروي أن الرسول ص ضحك فساله الصحابة مم تضحك فقال من خطاب العبد لربه يقول العبد يا رب ألم تجرني من الظلم فيقول العبد فإنني لا أجيز إلا شاهداً مني لينكر شهادة الخلق الذين شهدوا عليه فيقول تعالى كفى بنفسك اليوم عليك شهودا وبالكرام الكاتبين فيختم على فمه وتشهدأعضاءه عليه ثم يترك له الكلام فيقول سحقاً لكم من اعضاء فعنكم كنت اناضل وكذلك يجب أن يعلم العبد أنه لن تفوت الله فائتة ومن يعمل مثقال خيراً أو شراً سيراه ماثلاً أمامه يوم القيامة
4- الميزان - الصراط – الحوض – الشفاعة
وكلها من السمعيات التي نؤمن بها دون اطلاع عيني أو دليل عقلي ولكنه تابعة للإيمان بالله والرسول وتصديق كل ما يخبروننا به
والميزان خلق عظيم من خلق الله يزن كل الحركات والسكنات والمشاعر والخواطر ولايغفل عن الله شيء فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فمن ثقلت موازينه ففي عيشة راضية وأما من حفت موازينه فهو في نار جهنم فموقف الميزان هو من أعظم المواقف
ومن المواقف موقف الفداء الذي يتمنى فيه الكافر لو يفتدي نفسه بكل ما ملك ولكن هيهات هيهات فالثراء يومئذ هو بالإيمان والأعمال الصالحة لا بالمال ولا بالنسب ولا بالجاه فلا فداء للكفار يومئذ.
وهناك موقف الصراط من مر منه نجا ومن لم ينج وقع في نار جهنم
والشفاعة مثبتة للنبي ص وللأنبياء وهي لا تعني أن صاحب الشفاعة يملك من امر العبيد أو من أمره شيئاً بل الحكم لله وحده والأنبياء جميعاً عبيد له يشفعون بإذنه وفضله ولا تنفع الشفاعة من أحد إلا أن يأذن الله له بالشفاعة فمن ذا الذي يشفع عند الله عزوجل إلا بإذنه
والشفاعة العظمى خص بها سيدنا محمد ص ولغيره من الملائكة والانبياء والعلماء والاولياء والحفاظ شفاعة ولكن الشفاعة العظمى لسيدنا محمد ص وحديث الشفاعة التي ياتي بها الناس الأنبياء فيردوهم ويعتذرون لخوفهم من غضب الله حتى يصلوا لحبيبنا محمد ص فيقول أنا لها ويستأذن ص على ربه فيؤذن له يلهمه الله محامد يحمدها ويسجد فيقال له اطلب تعطى فيقول ص يا رب أمتي أمتي فيؤذن له أن يخرج من في قلبه مقدار شعيرة من إيمان فيذهب ص ويفعل ويعيد الكرة أربع مرات حتى يؤذن له فيخرج من النار من قال لا إله إلا الله
5- جهنم
يساق الناس بعد الحساب زمراً وجماعات إلى الجنة أو النار فتذكر الملاكة أهل النار بأنهم دعوا إلى الإيمان عبر الرسل والعلماء والدعاة إلى الله فيقرون بظلمهم أنفسهم وتبارك الملائكة للمؤمنين الذي صدقوا الله فصدقهم ويقولون لهم طبتم فادخلوها خالدين
أما أهل النار وعذابهم فقد وصفت نار جهنم بأوصاف مخيفة مهولة تنفر المرء من عذاب الله وتحذر المرء من سلوك طريق الشر والكفر فأهل النار يلبسون ملابس من نار ويصب عليهم الحميم ولهم مطارق من حديد تعيدهم إلى النار كلما أرادوا الخروج منها ولا يقدرون على الخروج من هذا العذاب فلهؤلاء الطغاة الذين تجاوزوا حدود الله إذا عطشوا أشربوا الحميم والغساق الذي هو الصديد الذي يخرج من جروحهم وقد امرنا الله أن نقي أنفسنا وأهلينا ناراً وقودها الناس والحجارة فالتحذير للنفس والأهل واجب علينا أن نقي أنفسنا من نار لا كنار الدنيا فهي نار وقودها حجارة وناس هيننين كالحجارة لاقيمة لهم بما عصوا الله وظلموا انفسهم وقد ورد في الحديث أن نارنا هذه التي نوقد تعادل واحداً من سبعين جزءاً من نار الآخرة ومن أهوال هذه النار أنه يوجد فيها واد يقال له ويل بين جبلين في جهنم إذا إلقي فيه الكافر يتردى فيه سبعين عاماً دون ان يصل لقعره والناس في جهنم طبقات حسب أجرامهم ولكن أخف درجاتها لا تطاق فقد روي عن رسول الله ص أن يؤتى بأنعم أهل الدنيا ممن استحقوا العذاب فيغمس في النار غمسة واحدة ثم يسأل يابن آدم هل رأيت نعيماً قط فيقول ما رأيت نعيماً قط وقد قال ص أقل أهل الناس عذاباً يوماً القيامة من له نعلان يغلي منهما رأسه كما يغلي المرجل وإنه ليرى نفسه أشد الناس عذاباً وهو أقلهم عذاباً ووصف عذاب أهل القرآن كثير في القرآن وفيما يلي بعض الأوصاف المستوحاة من القراءان والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك صحاب النار هم فيها خالدون - والذين كذبوا بالكتاب وما أرسل به الرسل تحيط بأعناقهم الأغلال ويسحبون في الحميم ولهم في جهنم فراش وفوقهم أغطية من حميم ويكونون مقرنين بالأصفاد وثيابهم قطران أسود تطلى به جلودهم وطعامهم الضريع الذي هو أمر من الصبر وأنتن من الجيفة وأحر من الجمر وطعامهم أيضاً الزقوم التي هي شجرة ثمرها كرؤوس الشياطين تنبت في جهنم ويأكلون الشوك الذي يأخذ بالحلق فلا يدخل ولا يخرج وشرابهم الماء الحميم الذي يقطع أمعاءهم وتوسع أجسادهم ليزداد عذابهم
ويتبرأ بعضهم من بعض ويلوم بعضهم بعضاً ويريهم الله أعملهم حسرات عليهم وأول من يتبرأ منهم الشيطان ويقول الشيطان لهم بعد أن يقضى الأمر ولا يعود هناك مجال للعودة والتوبة : إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم فلا أنا أنجدكم ولا تستطيعون نجدتي إني كفرت بما أشركتموني فيه من قبل
ونهاية المصير أن يدخل الله أهل الجنة الجنة وأهل النار النار وينادي مناد أنهم يبقون على هذه الحال خالدين دون موت
6- الجنة
المؤمنون الصادقون جزاؤهم الجنة والإيمان بها هو أيضاً إيمان بالمغيبات التي يقتضيها الإيمان بالله سبحانه وتعالى فمن آمن بالله تقبل كل ما يقوله الله عزوجل وصدق به ومن ذلك الجنة التي وعد الله عباده المخلصين بها وفيها أعد مالاعين رأت ولاأذن سمعت من خيرات ونعم ومتع ادخرها الله للصالحين
وهذه الجنة بحسب إيمان أهل السنة والجماعة موجودة الآن خلقها الله وأعدها الله عزوجل فهي موجودة وجوداً مادياً تنتظر الصالحين ومصير المؤمن الذي يعمل الصالحات أن ينال الجنة بدرجاتها ومنازلها كل حسب عمله وإيمانه وقد أخبر الله عزوجل بوجودها في الأية “ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ” وقدقال ص إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده في الجنة والنار بالغداة والعشي
وماوصفت الجنة إلا كحافز يجعلنا نتسابق لننال أعلى مراتبها فالسعيد من سعد هناك والشقي من شقي وهلك في النار والوصول للجنة ليس بالأماني فقد حفها الله بالمكاره ففي الحديث: أن الله تعالى لما خلق الجنة أمر جبريل أن يذهب فينظر إليها، فلما نظر إليها وما فيها من النعيم قال: يا رب، ما ظننت أحدا يسمع بها إلا يدخلها، فأمر فحُفت بالمكاره، فقال له: اذهب فانظر إليها فلما نظر، وإذا هي قد حفت بالمكاره؛ رجع، وقال: يا رب ما ظننت أحدا يحصل عليها – فطريق الجنة بحاجة للعمل والصبر والجلد والجهد والطاعة ونبذ الشهوات والابتعاد عن مكائد الشيطان وهو ولا شك طريق طويل
وللجنة ثمانية أبواب ضخمة كبيرة يدخلها المؤمنون من لدن أدم عليه السلام إلى يومنا هذا وحتى قيام الساعة ومابين المصراعين من مصاريعها كما بين مكة وهجر أو ما بين مكة وبصرى الشام ومن هذه الأبواب باب الريان الذي يدخله الصائمون ومن كان من أهل الصلاة دخل من باب الصلاة والصدقة من باب الصدقة والجهاد من باب الجهاد والصائم من باب الريان وقد سأل أبو بكر فإن كان من كل هؤلاء أفيدعا من كل الأبواب فقال ص نعم وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر
أول من يدخل الجنة نبينا محمد ص ثم أمته وقد فضل الله هذه الأمة رغم تأخرها زمنياً عمن سبقها بسبب حفظها لكتابها وعدم اختلافها مع عما ارسل الله وفي الجنة نعيم وشباب وطعام بلا جوع وشراب فلا عطش
والجنان درجات كل حسب عمله ويقينه وخشيته لله تعالى والمجاهدون لهم وحدهم مئة درجة فكذلك المجاهدون درجات وصاحب القرآن يقال له اقرأ وارتق ورتل فإن منزلته عند أخر آية يقرؤها وهناك أهل الغرف الذين يراهم أهل الجنة كأنهم كواكب درية لأجل جمال منزلتهم وهي لرجال آمنوا بالله وصدقوا رسله وهي أيضاً لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وبات قائماً والناس نيام ولسيدنا محمد المقام المحمود وهو الوسيلة من سأل الله له إياه بعد الآذان تناله شفاعته بإذن الله
والجنة فيها نعم لا تعد ولا تحصى منها سدر مخضود ، وطلح منضود ،وظل ممدود، وماء مسكوب ،وفاكهة كثيرة لامقطوعة ولا ممنوعة، وفرش مرفوعة وبيوت المؤمنين فوق الأنهار الجار من الماء الصافي والنقي وأنهار من لبن وأنهار من خمرلا كخمر الدنيا المنغص بالسكر والقيء والبذاءة والصداع بل خمر الآخرة لا يصدع ولا يفقد العقل وهي للمؤمنين الذين لم يطعموها في الدنيا وقد قال ص من سره أن يسقيه الله الخمر في الآخرة فليتركها في الدنيا ومن سره أن يكسوه الله الحرير في الآخرة فليتركه في الدنيا
وفيها أنهار أخرى من عسل وفيها نهر الكوثر الذي هو نهر نبينا ص وفي الجنة كذلك عيون ومنها السلسبيل التي مزاجها الزنجبيل وأخرى مزاجها الكافور وأخرى من تسنيم وفيها مالاعين رأت ولا أذن سمعت ومالم يخطر ببال بشر
وأطباقهم وأكوابهم من الذهب والفضة التي نهى رسول الله ص عن الأكل بهما فهي لهم(المشركين والكفار) في الدنيا ولنا في الآخرة ولباس أهل الدنيا الحرير والاستبرق واللؤلؤ والذهب وهي لا كحرير الدنيا بل أعز
وأهل القرآن لهم منزلة خاصة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، تعلموا القرآن ، فإنه يأتي يوم القيامة صاحبه في صورة شاب جميل ، شاحب اللون ، فيقول له ، أنا القرآن الذي أسهرت ليلك ، و أظمأت هواجرك ، و أجففت ريقك ، و أسبلت دمعتك ( إلى أن قال ) فأبشر ، فيؤتى بتاج فيوضع على رأسه ، و يعطى الأمان بيمينه والخلد بيساره ، و يكسى حلتين ثم يقال له ، إقرأ وارقأ ، فكلما قرأ آية صعد درجة ، و يكسا أبواه حلتين إن كانا مؤمنين ، ثم يقال لهما هذا لما علمتماه القرآن
أخيراً لا بد أن نعلم نعم الحياة منقوصة فالأكل والشرب من أجمل النعم والأطايب كثيرة لكن بعد الطعام الفضلات المقززة التي عليه تنظيف نفسه منها أما أهل الجنة فيأكلون ويشربون دون بول ولا غوط يتخلصون من الفضلات بعرق وجشاء ورشح كريح المسك والمسك الذي هو أطيب الطيب أصلاً من دم الغزال
7- الحور العين
وهن رغم جمالهن الموصوف في القرآن لا يتعدين أن يكن خادمات للنساء المؤمنات اللاتي يتنعمن مع أزواجهن في جنات النعيم أما الحور العين فقد أنشأهن الله إنشاء في جنات النعيم وكل النساء في جنات النعيم مطهرات من كل ما في الدنيا من قاذورات وكلهن من أجمل ما خلق الله
8- رؤية الله عز وجل
أعلى نعم الجنة هو النعيم برؤية وجه الله عزوجل التي هي مسألة أساسية من مسائل العقيدة تلك الرؤية المستحيلة في هذه الدنيا إلا على رسول الله ص حسب تفسير بعض الصحابة لقوله تعالىثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى
وبعض الصحابة قالوا أن الرؤية مستحيلة حتى على النبي ص ولا يرى أحد الله عزوجل إلاأن يكون واهماً أو كذاباً دجالاًوقد منع الله سيدنا موسى رؤيته فلا يحق لعبد أن يدعي منزلة أعلى من الأنبياءيقول تعالى: {وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني } لكن الله عزوجل يتنعم على عباده برؤيته في الجنة ولكنها رؤية لا نعلم ماهيتها ولا شك أنها دون الإحاطة فلا يحيط بذات الله مخلوق وقد ذكر لقاء الله بعدة مواضع من القرآن والسنة ففي الأحزاب (44): { تحيتهم يوم يلقونه سلام } وفي سورة القيامة (23): { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } وفي مسلم عن صهيب الرومي – رضي الله عنه -؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } وقال: ( إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى مناد: يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدًا يريد أن يُنْجِزَكُمُوه. فيقولون: وما هو؟ ألم يُثقِّل موازيننا، ويبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا من النار؟ قال: "فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه، ولا أقر لأعينهم ) .فهي أعلى النعم نرجوا الله عزوجل أن يجعلنا ممن ينظرون إلى وجهه الكريم لكن الرؤية تختلف حسب الأعمال والنيات كما قال العلماء فمن كانت عبادته طلباً لنعم الجنة مم رآه في الدنيا ينال ذلك وهناك نوع لا يريد النعم وباله مشغول دوماً برضى ربه لا يريد سواه فهو وإن تمتع بمتع الدنيا لا تستولي على قلبه ويطلبها في الآخرة بل فقط يريد نيل مرضاة الله فهؤلاء يكون تنعمهم بالرؤية أكثروأطول والله أعلم
- خاتمة عن اليوم الآخر: بين الخوف والرجاء
الإيمان باليوم الآخر يشمل كل ما ذكرنا من غيبيات ولا يجوز لعبد أن يشك في كل ماورد منها في القرآن والصحيح من السنة وإلا كان الإيمان منقوصاً يعرض صاحبه لما يرديه في المهالك في الدنيا والآخرة وقد كان الصحابة والسلف عندما يقرؤون أية من أيات الله التي تخبر باليوم الآخر يعلمون يقيناً بقدوم هذا اليوم قريباً بل ويعيشون وقائع هذا اليوم بتفصيلاته كما نبرمج نحن مواعيدنا ليوم غد أو لبعد اسبوع
فما كانوا يقومون بحركة أو سكنة إلا وهم ينتظرون اليوم الآخر عالمين بأنهم سيحاسبون على كل حركة أو سكنة وقد روي أن حنظلة وأبا بكر كانا يتهمان أنفسهما بالنفاق لأنهم عندما يغادرون رسول الله ينسون اليوم الآخر وتشغلهم الأزواج والأولاد وأمور الدنيا عن الجنة والنار والحساب الذي كانوا يرونه كأنه رأي العين عند رسول الله فقال لهما ص والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة
أخيرأ، عندما نقرأ نصوص الكتاب والسنة نمر على نصوص مرعبة مجزعة كالتي في وصف العذاب والنار فالله ذو البطش الشديد وأخذه أليم شديد وهو عزوجل بالمرصاد لكل جاحد كافر ويعلم ما في أنفسنا ويحذرنا نفسه وقد قال ص والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرا وكثير كثير من صور العذاب في النار التي ذكرت سابقاً مم أخبرنا به ومم لم يخبرنا به و ومم رآه ص في رحلة الاسراء والمعراج وغيره من النصوص
كما وتمر نصوص بالتبشير وسعة رحمة الله وأنه الغفور الرحيم والذي رحمته سبقت غضبه
والانسان يجب أن يجمع الخوف والرجاء لكن الانسان الشاب القوي الذي يقع في المعاصي فيجب عليه أن يغلب ويرجع للنصوص المخيفة التي تذكره بغضب الله فيتجنب المعاصي أما الضعفاء من المؤمنين من بهم مرض أو هرم يمنعه الاتيان بالطاعات على وجهها فلا يجب أن يقنطوا من رحمة الله وهذا حال المؤمن يعبد الله خوفاً وطمعاً خوفاً من العقاب وطمعاً بالرحمة وما اجتمع في مؤمن خوف ورجاء إلاأعطاه الله ما يرجو وأمنه مم يخاف وقدقال عمر رضي الله عنه : لو نادى منادي من السماء : أيها الناس ، إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلاً واحد ، لخفت أن أكون هو . ولو نادى مناد : أيها الناس ، إنكم داخلون النار إلا رجلاً واحداً ، لرجوت أن أكون هو .
الإيمان بالقضاء والقدر
وهو سر من أسراره عزوجل أمرنا بالإيمان به إيماناً غيبياً لا يكتمل إيماننا إلا به ونحن منهيون بالخوض فيه والدخول في منازعات ومجادلات لا طائل منها فيه ولكن نقف على ما ورد فيه من نصوص شرعية والإيمان بالقدر يكون بالإيمان بالعلم المطلق لله سبحانه وتعالى المتصف بالكمال في كل شيء وهو العلم الشامل لكل ما كبر أو صغر في هذا الكون وهو علم لا ريب فيه ولا شك وبناء على هذا العلم كتب الله سكنات وحركات ومصائب وأفراح وكل تفاصيل الحياة لكل مخلوق كتبه الله وقدره تقديراً لا يتغير ولا يتبدل وهذه العقيدة بحاجة لإيمان راسخ ويؤمن بالقضاء والقدر العباد المؤمنون الموقنون المخبتون الأذلاء لله الذين يعلمون أنه لا حركة ولا سكنة وليس لهم لا قرار ولا أمر لا في حياتهم ولا مماتهم ولا رزقهم ولا شيء من أمورهم يملكون له شيء بل الأمر كله لله عزوجل أما الذين في إيمانهم ريب فلا يناقشون به فهم بحاجة ليقينيات يؤمنون بها ثم إن آمنوا بها انتقلوا للغيبيات والإيمان بالقدر من أصول الإيمان الستة التي لا يتم إسلام العبد ولا إيمانه إلا بها، كما دل على ذلك آيات من القرآن الكريم، وأحاديث صحيحة مستفيضة بل متواترة عن الرسول الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، ومن ذلك قوله عز وجل: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}، وقوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}، وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} وقوله {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبرائيل عن الإيمان قال عليه الصلاة والسلام: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث وتؤمن بالقدر كله)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما كان من أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة))،وفي الحديث احتجاج آدم على موسى عليهما السلام بالقدر اذ قال له : أتلومني على أمر قد كتبه الله علي قبل أن أخلق بأربعين عاما ؟ وشهد النبي صلى الله عليه وسلم أن آدم حج موسى
وللجنة أهلها وللنار أهلها وكل ميسر لما خلق له فالله يعلم أهل النار وأهل الجنة وكل في كتاب معلوم لكننا لا نعلم مصيرنا وإن علم الله ذلك في الأزل لكن ليس في ذلك جبر ولا إكراه بل أعطانا الله الخيار كاملاً و الإنسان لا يحاسب علي عمل هو مجبر عليه بل كل امرء يحاسب على خياراته وعمله فمثلاً يحاسب الله من قتل امرأ عامداً متعمداً لكن لا يحاسب من وقع من عال فسقط على آخر فقتله فليس هذا قتلاً بل هو كما يقول الشرع لا مندوحة له على فعله وقد رفع القلم عن النائم حتى يفيق والمجنون حتى يشفى والصغير غير العاقل حتى يعقل وهكذا الله عادل حرم الظلم على نفسه فلا يحاسب امرء إلا بعمله الذي اختاره دون إجبار بل بالحرية الكاملة التي أعطاه إياها الله
والمسلم يعلم ويقر ويؤمن بالقدر دون نقاش وليس لنا إلا أن نعمل ونعمل ونعبد الله ونتقرب إليه بالعمل الصالح فكل ميسر لما خلق له والله وإن كان الله قد علم مصير كل واحد بعلمه المطلق وكتبه فلا يعلم أحد منا مصيره بل كل امرء له علامات هل ينجو أم لا ودليلنا سلوكنا وعملنا مع الخوف الدائم من عقاب الله والرجاء الدائم لرحمة الله وأن نكون من اهل الجنة أما المحتجون بأن الله كتب عليهم الكفر فكفروا فهم يحاجون الله وأوجبوا على ذلك على نفسهم ما كتب الله عليهم أما المؤمن فهو عبد لا يسأل ربه عم يفعل بل هو وحده يسال الناس ويحاسبهم ويرحم من يشاء ويعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء ويهدي من يشاء وليس لنا حتى أن نناقش ذلك فقد روى أحمد وغيره من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر، قال: وكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب. قال: فقال لهم: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟ بهذا هلك من كان قبلكم!. قال: فما غبطت نفسي بمجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أشهده بما غبطت نفسي بذلك المجلس أني لم أشهده. فالخوض بالقضاء والقدر بما يجلب الفتنة هو خوض بما لم نعلم ولن نعلم وذلك قد يؤدي إلى ما لم تحمد عقباه ولا يجوز أيضاً أن يحتج المذنب بالقدر على ذنبه بل يجب أن يتوب إلى الله مم فعل ولا يحتج بالقدر فيقول أن افعل كذا من شرب للخمر أو غيره من المعاصي لأن الله كتب علي ذلك فلا يفعل ذلك إلا مكابر مبارز لله بالمعاصي أما المؤمن فيتوب لله
وقد يجوز الاحتجاج بالقدر في الطاعات فيشكر العبد لله أن قدر له أن يقوم بالعبادة من قيام لليل وغيره كما يجوز أن يغفر المرء لأخيه ما أذنبه بحقه أو آذاه فكسر له شيئاً أو قصر بشيء تجاهه فللمرء أن يغفر له ويقول قدر الله وماشاء فعل كما كان يقول ص عندما يقصر مالك في بعض ما يطلبه منه
أخيراً لا يجب أن يفهم أحد أن القضاء والقدر والرزق المقسوم والأجل القادم يؤدي للكسل وعدم طلب الرزق كما يدعي بعض المستشرقين أن هذه العقيدة تؤدي للكسل بل إن المسلم يقبل على العمل لأن الاسلام يحض على العمل ولا يخاف الموت بل يسعى بكل قوة بما يقدر عليه من عمل وجهاد وطلب للرزق مع العلم أنه سينال بعمله الأجر والثواب نال ما ناله من رزق ولو مات قبل أن يتم ما أراد ويسعون في الجهاد والقتال تاركين الدنيا والأهل وراءهم غير آهبين بالموت لأنهم يعلمون أن الأجل مكتوب وأن الله لم يخلق أحدا إلا وقسم له رزقه وحتى وإن كان السعي مطلوباً ومتعبداً به وواجباً إلا أن الرزق من عند الله وقد كان سيدنا علي مشهوراً بالبسالة والشجاعة في القتال حاله كحال كل المسلمين الذين فتح الله لهم الدنيا بسنوات قليلة لأن النصر من عند الله وهم بهمتهم أدوات هذا النصر لأنهم ذوو إيمان لا شديد لا يهابون الموت
Comments
Post a Comment