كثير من الطلاب السوريين بشكل خاص وربما غيرهم في البلاد العربية وبلدان العالم الثالث لا يعرفون حقوقهم ولا يعرفون كيف يختارون المشرف حين يقررون القيام بالبحث العلمي لنيل درجة الدكتوراة. أحاول في هذه التدوينة توضيح دور المشرف وحقوق الطالب وواجباته:
للمشرف دورين أساسيين:
1- دور اشرافي: بمعنى مساعدة الطالب على انجاز مهمته البحثية في الوقت المحدد وبمستوى يرقى لنيل درجة الدكتوراة. ونعني بـ "يرقى" أي أن الطالب صار يمتلك مؤهلات البحث العلمي ويحق له القيام بالبحث العلمي لذلك الدكتوراة أبداً لا تعني أن الشخص ختم العلم وصار عالماً لا يشق له غبار. درجة الدكتوراة هي شهادة والدكتوراة هنا تشبه من حيث مبدأها شهادة القيادة. فالحاصل على الدكتوراة هو باحث معتمد.
بمعنى: لكي يتمكن شخص من القيادة لا يمكن أن يصعد إلى السيارة ويقود من أول مرة كالمحترفين بل يجب أن يتمرن ويتمرن ويستمع لارشادات مدربه. تعليم القيادة يبدأ في حقل فارغ. ثم يتدرج فإن صار المتدرب يملك إمكانيات تؤهله للقيادة في الشارع انطلق ليقود مع مدربه بحذر. لذلك الموضوع بحاجة لتدريب مستمر والتدريب لا يكون بالقيادة لوحدك. بل يجب أن يجلس بجانبك شخص مؤهل ليعلمك ويرشدك. وكلما قدت أكثر كلما حصلت على الخبرات المطلوبة أسرع ونلت الشهادة بسرعة وصرت أكثر احترافاً. ولذلك يجدر بالطالب الحرص على لقاء مشرفه باستمرار. ففي هذا السياق الطالب هو زبون والمشرف هو المدرب الذي يجب أن يبذل جهده في تصحيح أخطاء الطالب. وبالتالي اللقاء الاسبوعي والمشاورة مع المشرف هي حق للطالب وليست واجباً عليه وكلما زاد تواتر اللقاءات والمشاورات كان ذلك من مصلحة الطالب. طبعاً مع الاحترام المتبادل فالسلعة علم وبحث وليس أحد أنواع الخضار في سوق الهال.
يطلب غالب المشرفون من طلابهم أن يلتقوا بهم مرة واحدة على الأقل اسبوعياً لكن عندما يتهرب أو يغيب الطالب عن اللقاء الأسبوعي فهو يفرط بحقه. ولو حرص الطالب على حقوقه لوجب عليه مقابلة مشرفه أكثر من مرة أسبوعياً دون أن يزيد الأمر عن حده فللمشرف أعمال أخرى طبعاً. الغياب أو الانقطاع لا بد أن يغضب المشرف الجيد. فالمشرف الجيد يجب أن يكون حريصاً على حقوق طلابه أما المشرف السيء أو المشغول فهو لا يبال بتعليم الطالب بل يسعى للاستفادة من جهد الطالب فإن أفلح الطالب نسب النجاح لنفسه وإن فشل لا يضره شيء بل يلوم الطالب.
ومن الأفضل أن يحرص الطالب أن يعطي لمشرفه تقارير مكتوبة وأن يشاركه ويطلب منه تصحيح الأوراق البحثية التي يعدها. إن تحسين وتصحيح وتنقيح الكتابة هي واجب المشرف وليس هناك طريقة أخرى للتعلم سوى أن تكتب وتشرك المشرف فيما تعمل فيصحح ويحسن أداءك لتنال حقك الذي دفعت ثمنه نقداً كرسوم في الجامعة. أنت لا تدفع ثمن العلم ولا الشهادة فهي لا تقدر بثمن ولكن تدفع أجور التدريب. أما اكتساب العلم فهو جهد شخصي. من خلال الدكتوراة تأخذ الرخصة في العمل كباحث لكن الحصول على الشهادة فقط لا يكفي، المدرب أو المشرف يعلمك الصيد ولكن الصياد يجب أن يتعب في ملاحقة صيده. وهنا تجدر الإشارة إلى نقطة هامة: لا يمكن لمن يأخذ شهادة القيادة حديثاً أن يتسابق مع شوماخر مثلاً في سباقات Formula One بل يجب أن يستمر التدريب والبحث بعد التخرج وتزداد الخبرات من خلال الاستمرار بالنشر والبحث ويتم تقييم عمل الباحث من خلال تقييم القرناء peer review لأي بحث قبل نشره. وبازدياد الخبرة والانتاج ترتفع القيمة العلمية للباحث لذلك توجد درجات للأساتذة والباحثين وهي post doc, Assistant Prof., Associate Prof. and Prof
أخيراً يجب أن يدرك الطالب الفرق بين الماجستير والدكتوراة. يمكن أن نعتبر الماجستير سنتين من الإعداد وهي تشبه السياقة في الحقل الفارغ ثم في الدكتوراة يخرج الطالب إلى الشارع. لذلك نجد متطلبات الماجستير في كثير من الجامعات المحترمة أطروحة فقط وقد تطلب بعض الجامعات ورقة بحثية واحدة. لأن طبيعة بحث الماجستير تطبيقية وليست تطويرية. مثلاً في المجال الهندسي يقبل أن يطبق الطالب فكرة بحثية معينة في مجال آخر جديد دون أن يكون هناك ضرورة لتطوير الفكرة نفسها. وبذلك يتعلم الطالب كيف يقرأ ورقة أو أطروحة بحثية ويقلدها. أما في الدكتوراة فالانتاج البحثي والفكري مطلوب. والأفكار الجديدة والتطويرية غير المسبوقة شرط لازم بالإضافة لإعداد ورقتين بحثيتين واحدة منهما على الأقل قي مجلة علمية رصينة ومعتبرة. وبعض الاختصاصات والجامعات يتطلب الأمر عدداً أكبر من الأوراق. ولضمان كون الأفكار جديدة وتطويرية غير مسبوقة يعد الباحثون مراجعات لأعمال من سبقهم literature review ليضمنوا أصالة أفكارهم. والفكرة الجديدة ليست بالضرورة فتحاً علمياً وبحثاً يستحق جائزة نوبل بل هي ببساطة إيجاد حل لمشكلة أو تحسين الحل أو تبسيطه. طبعاً ليس هناك حدود للموضوع ولمن جد وجد ومن مهمات المشرف توضيح هذه النقطة حيث أن الموضوع يختلف باختلاف المجال العلمي وبحسب امكانيات الطالب.
2- الدور الثاني للمشرف هو دور تقييمي: وهنا مهمة المشرف تقييم مدى التزام الطالب بالارشادات المعطاة ومدى استيعابه للبحث وأساسياته ومن ثم مدى أهليته للذهاب إلى الامتحان. المشرف هنا مسؤول عن كون سوية الطالب ملائمة للذهاب الى امتحان القيادة الذي هو الـ viva أو الـ defense في حال الدكتوراة والماجستير. وإلا فعليه أن يوجه الطالب إلى ضرورة الاستمرار بالتدريب.
الخلاصة يجب أن يختار الطالب المشرف بما يحقق له الدورين السابقين على أفضل وجه ويجب أن يعرف الطالب حقوقه ولا يفرط بها. ولا يظنن الطالب أنه بجهده الخاص يمكن أن يصير باحثاً. ذلك كمن يظن أنه من خلال ألعاب السيارات كلعبة need for speed في جيلنا يمكن للشخص تعلم القيادة. بعض الطلاب يتخرجون من المرحلة الجامعية الأولى وهم متفوقون باستعمال بعض الأدوات كالماتلاب أو لغات البرمجة أو برمجة المتحكمات، فيظن الطالب أنه خبير وقادر على استعمال هذه الأدوات لصناعة بحث علمي جيد. ويظن أنه يستطيع العمل وحده في أي بحث ولا حاجة له في اطلاع المشرف على ما يفعل. بعضهم قد يكون فعلاً من الحرفية في استخدام الأدوات ما مكنه من مساعدة بعض طلاب الماجستير والدكتوراة . الماتلاب وغيره ما هو إلا أداة هندسية يمكن للباحث أن يستخدمها أو يستخدم غيرها ولكن الأهم أن يملك ما يمكن تسميته بملكة البحث. بمعنى آخر يمكن للباحث أن يتسعين بخبير برمجة أو خبير ماتلاب أو خبير طبخ للقيام ببحثه ولكن لا يمكن لمن يجيد الماتلاب فقط أن يقوم ببحث على مستوى الدكتوراة ما لم يتعلم أسس البحث العلمي. قد يكون الأمر ممكناً لحد ما في الماجستير لكن بالتأكيد ليس في الدكتوراة.
أرجو أن تكون الأمور واضحة وأتمنى أن تفيد هذه التدوينة في فهم كيف يختار الطالب مشرفه بحيث يختار المشرف المتعاون الذي يسهل عمله. ثم أتمنى أن يحرص الطالب على لقاء المشرف وإشراكه في تفاصيل بحثه لينال حقه كاملاً في التدريب. اللقاء الاسبوعي ليس هدفه استعراض عضلات الطالب وانجازاته. هو مجرد عرض للعمل والخطوات التي قام بها الطالب خلال اسبوع. وهو جزء هام من العملية التعليمية بحيث يعرض الطالب ما قام به خلال اسبوع ليستشير مشرفه إن كان يسير على الطريق الصحيح. حتى وإن أحس الطالب أنه لا يتقدم من الأفضل أن يذهب ويرى مشرفه فلعل مشرفه يعطيه مفتاحاَ للحل مم يوفر عليه الكثير من الوقت والجهد. جدير بالذكر أن نؤكد أن الحل هو مهمة الطالب ولكن قد يملك المشرف مفتاحاً أو تلميحاً يساعد الطالب في الوصول إلى الحل. هذا الحل قد يكون جوهر اطروحة الطالب فكما قلنا في الدكتوراة يجب أن تكون هناك على الأقل فكرة جديدة وتطويرية غير مسبوقة لحل مشكلة معينة وبالتالي لا أحد يملك الحل لهذه المشكلة قبل أن يجده الطالب ولا حتى المشرف.
Comments
Post a Comment